تتم يومياً عمليات شراء وبيع ملايين المنتجات على مستوى العالم، وأغلب هذه المعاملات تُجرى عبر الإنترنت ومن خلال البنوك. ومع ذلك، فإن الأنشطة التجارية ليست متجانسة، بل تتكون من مجموعة معقدة من الأفراد والبضائع والمستندات والنقود، حيث يعتبر التمويل التجاري عملية متعددة الأوجه لكل من المصدرين والمستوردين، مما يرفع نسب المخاطر المرتبطة بالجرائم المالية في هذا المجال.
في هذا المقال، سنستعرض مفهوم غسل الأموال القائم على التجارة، وعلامات التحذير من غسيل الأموال القائم على التجارة، وأفضل استراتيجيات المكافحة.
ما هي عملية غسل الأموال؟
غسل الأموال هي عملية إخفاء مصادر الأموال غير المشروعة وتحويلها إلى أموال نظيفة يمكن استخدامها دون إثارة الشكوك. من بين الأساليب العديدة التي يستخدمها المجرمون لتحقيق هذا الهدف، يُعتبر غسل الأموال القائم على التجارة واحدًا من أكثر الطرق تعقيدًا وفعالية. يكمن التحدي في الكشف عن هذا النوع من غسل الأموال في الطبيعة المعقدة للتجارة العالمية والممارسات المالية المختلفة.
ما هو غسيل الأموال القائم على التجارة (TBML)؟
غسل الأموال القائم على التجارة (TBML) هو أسلوب يستخدمه المجرمون لإخفاء عائدات الجرائم من خلال التلاعب في نظام التجارة الدولي، إذ يتضمن هذا الأسلوب تعديل معاملات التجارة، مثل الفوترة، لإخفاء المصدر الأصلي للأموال وجعلها تبدو مشروعة. يمكن أن يأخذ غسل الأموال القائم على التجارة أشكالاً متنوعة، منها الفوترة المبالغ فيها أو المنخفضة، التصنيف غير الصحيح للبضائع لتجنب الرسوم الجمركية، واستخدام مستندات شحن زائفة، ومن خلال هذه الأساليب، يستطيع الجناة إدخال عائدات أنشطتهم غير القانونية إلى النظام المالي الشرعي، مما يجعل من الصعب على وكالات إنفاذ القانون تتبع المصدر الفعلي لهذه الأموال.
يُعتبر غسل الأموال القائم على التجارة تهديداً كبيراً للنظام المالي العالمي، حيث يمكن استغلاله لتمويل مجموعة متنوعة من الأنشطة غير القانونية مثل تهريب المخدرات، تهريب الأسلحة، الاتجار بالبشر، والإرهاب. كما أن هذا النوع من غسل الأموال يصعب اكتشافه لأنه يشمل غالباً طرقاً معقدة ومتطورة. لذا، فقد اتخذت الحكومات والمؤسسات المالية وغيرها من الجهات المعنية خطوات عدة لمكافحة غسل الأموال القائم على التجارة، بما في ذلك تعزيز الشفافية في التجارة الدولية، تطوير تنظيمات مكافحة غسل الأموال، وتحسين التعاون عبر الحدود بين وكالات إنفاذ القانون.
فهم الأساسيات المتعلقة بغسل الأموال القائم على التجارة
يشمل غسل الأموال القائم على التجارة استغلال تعقيدات التجارة الدولية لإخفاء المصادر غير المشروعة للأموال ودمجها في النظام المالي العالمي. يقوم المجرمون باستخدام المعاملات التجارية الشرعية لتحريك الأموال عبر الحدود مُخفاة كأموال تجارية مشروعة، مما يصعب على السلطات تتبع الأموال غير المشروعة.
- تتمثل إحدى الأساليب الشائعة في غسل الأموال القائم على التجارة في التلاعب بفواتير البضائع، إما برفع قيمتها أو تخفيضها، حيث يقوم المجرمون بتعديل قيمة البضائع في المعاملات التجارية لتسهيل حركة الأموال. على سبيل المثال، قد يقومون بمبالغة في قيمة البضائع المستوردة لنقل أموال إضافية، أو بتقليل قيمة البضائع المصدّرة لإعادة الأموال إلى وطنهم. من خلال هذه التلاعبات، يستطيع المجرمون غسل الأموال دون إثارة الشكوك.
- أسلوب آخر يشمل استخدام الوثائق المزورة ووجود طبقات متعددة من الوسطاء التجاريين، مما يخلق شبكة معقدة من المعاملات التي تُضيف مزيداً من الغموض حول مصادر الأموال غير المشروعة. قد ينشئ المجرمون شركات وهمية أو يستخدمون تجاراً متعاونين لخلق معاملات وفواتير وهمية.
- علاوة على ذلك، يستغل المجرمون الفجوة الزمنية بين شحن البضائع وسداد ثمنها، مما يوفر فرصة للتلاعب بالوثائق ونقل الأموال بشكل سري، فمن خلال تأخير السداد أو استلام المدفوعات للبضائع، يمكن للمجرمين إخفاء طبيعة أنشطتهم المالية الحقيقية، مما يعقد تتبع الأموال من قبل السلطات القانونية.
- إضافة إلى ذلك، يمكن إساءة استخدام أدوات تمويل التجارة مثل خطوط الائتمان والقروض التجارية في خطط غسل الأموال القائم على التجارة، حيث يستفيد المجرمون من هذه الأدوات لتسهيل حركة الأموال غير المشروعة تحت غطاء معاملات تجارية مشروعة.
لأساليب الشائعة في غسل الأموال القائم على التجارة
بالإضافة إلى رفع أو خفض الفواتير، يلجأ المجرمون إلى مجموعة من الأساليب المتنوعة في غسل الأموال القائم على التجارة، ومن تقنيات غسيل الأموال الناجحة:
- الشحنات الوهمية: يقوم المجرمون بإنشاء شحنات زائفة لا تتضمن حركة فعلية للبضائع. في هذه الحالة، يتم تزوير الفواتير وبوالص الشحن والمستندات الأخرى، مما يخلق مظهراً زائفاً لعملية تجارية شرعية.
- إصدار فواتير متعددة: يُنتج المجرمون عدداً من الفواتير لنفس المعاملة، مما يصعّب عملية تتبع حركة الأموال. تشمل هذه التقنية إصدار عدة فواتير بقيم مختلفة لنفس البضائع.
- تبادل العملات في السوق السوداء: يستفيد المجرمون من الفروقات في أسعار الصرف لتحويل الأموال. يقومون بالتلاعب في تبادل العملات عبر الأسواق غير الرسمية أو غير المنظمة، مما يتيح لهم تحويل الأموال غير المشروعة إلى عملات معترف بها قانونياً.
- تهريب النقد بكميات كبيرة: ينقل المجرمون مبالغ نقدية ضخمة عبر الحدود، متجنبين بذلك الكشف من قبل السلطات. غالباً ما تُستخدم هذه الطريقة جنباً إلى جنب مع المعاملات التجارية لتبييض الأموال غير المشروعة.
- التلاعب بأسعار التجارة: تتضمن هذه التقنية التلاعب المتعمد في سعر أو كمية أو جودة البضائع في مستندات التجارة. من خلال تغيير هذه التفاصيل، يتمكن المجرمون من إخفاء القيمة الحقيقية للبضائع، مما يتيح لهم حركة الأموال غير المشروعة عبر الحدود دون إثارة الشكوك.
- الشركات الوهمية: تُستخدم الشركات الوهمية التي لا تمتلك أنشطة تجارية حقيقية لتسهيل غسل الأموال. تشارك هذه الشركات في معاملات تجارية زائفة، مُصدِرة فواتير واستلامات وهمية لخلق وهم التجارة الشرعية. يعقد وجود هذه الشركات المعقدة واستخدامها في عدة ولايات قضائية عملية تتبع الأموال غير المشروعة.
علامات التحذير من غسيل الأموال القائم على التجارة
من الضروري أن تظل المؤسسات المالية والجهات التنظيمية يقظة ومطلعة على تكتيكات غسل الأموال القائم على التجارة المتطورة لضمان الكشف المبكر والفعال عن الأنشطة غير القانونية.
- تباين بين قيمة الفواتير والتكلفة الحقيقية للبضائع: إذا كانت قيمة الفواتير تفوق بشكل كبير القيمة الفعلية للبضائع، فقد يكون ذلك مؤشراً على عمليات غسل أموال.
- شحنات غير متوافقة مع الأنشطة التجارية المعلنة: الشحنات التي تتضمن كميات غير منطقية أو أنواعاً غير متناسبة مع النشاط التجاري المعلن قد تدل على وجود غسل أموال.
- معاملات غير مبررة أو غير متناسبة مع حجم النشاط التجاري: حجم المعاملات المالية الكبير مقارنةً بالنشاط التجاري الفعلي يمكن أن يكون دليلاً على غسل الأموال.
- استخدام بنوك أو مؤسسات مالية غير ملتزمة بالمعايير: المعاملات التي تتم عبر مؤسسات مالية لا تلتزم بالمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال قد تشير إلى خطر غسل الأموال.
- نشاطات مالية متكررة وغير مبررة: المعاملات المالية المتكررة التي لا تبررها الأنشطة التجارية الفعلية قد تدل على غسل أموال قائم على التجارة.
- أنماط التجارة غير المعتادة: التغيرات المتكررة في الشركاء التجاريين، التحولات المفاجئة في خطوط المنتجات، أو المعاملات ذات القيم العالية دون سبب تجاري مبرر قد تكون مؤشرات على غسل الأموال.
- طرق التجارة المتداخلة: يكون هناك شك إذا تضمنت المعاملات التجارية دولاً معروفة بنشاطات غسل الأموال، أو إذا كانت الطرق التجارية تنحرف عن الأنماط المعتادة.
- التدفقات المالية غير المتطابقة: عدم تطابق التدفقات المالية المتعلقة بالمعاملات التجارية مع البضائع الفعلية المتداولة قد يشير إلى غسل الأموال.
- المنتجات ذات المخاطر العالية: بعض الصناعات، مثل تجارة المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، تحمل مخاطر أعلى لغسل الأموال بسبب قيمتها العالية ونقص التسعير المعياري.
- استخدام الشركات الوهمية: تزايد استخدام الشركات الوهمية في المعاملات التجارية لإخفاء المصادر الحقيقية والمستفيدين من الأموال. تمتاز هذه الشركات بهياكل ملكية معقدة تجعل تتبع المالكين النهائيين صعباً.
- فواتير التجارة غير الواضحة: استخدام فواتير تحتوي على أوصاف غامضة أو غير مكتملة للبضائع يمكن أن يكون تكتيكاً لإخفاء الأنشطة غير المشروعة ضمن التدفقات التجارية الشرعية.
- فجوات بين القيمة المذكورة للبضائع وأسعار السوق: الفجوات بين القيمة المذكورة في مستندات التجارة وأسعار السوق قد تشير إلى وجود خطط لغسل الأموال، خاصة في الصناعات ذات الأسعار غير المستقرة أو التي يصعب تحديدها بدقة.
اقرأ أيضا: العلامات الحمراء لغسل الأموال: أهم ١٠ علامات تحذيرية
أفضل الممارسات لمكافحة غسيل الأموال في التمويل التجاري
نستعرض فيما يلي أفضل 12 ممارسة لمكافحة غسيل الأموال في التمويل التجاري:
- التحقق من صحة الفواتير: التأكد من دقة الفواتير ومقارنتها بالقيم السوقية للسلع لضمان تطابقها مع الأسعار الفعلية.
- مراقبة المعاملات غير الاعتيادية: متابعة المعاملات المالية بشكل عام وخصوصا الكبيرة منها أو غير المبررة التي قد تشير إلى غسل الأموال.
- استخدام التكنولوجيا: تطبيق تقنيات التحليل المتقدم، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، للكشف عن الأنماط غير الطبيعية والأنشطة المشبوهة في المعاملات التجارية.
- التشريعات العالمية والمحلية: تبني تشريعات مثل تلك التي وضعتها مجموعة العمل المالي (FATF) التي توفر إطاراً عالمياً لمكافحة غسل الأموال.
- الامتثال للوائح: الالتزام باللوائح الدولية والمحلية لمكافحة غسل الأموال، بما في ذلك تقييم المخاطر وتطبيق تدابير مناسبة. (تعرف على أفضل 5 برامج لإدارة الامتثال التنظيمي لعام 2024 من خلال الرابط).
- التدريب والتوعية: توفير تدريب مستمر للموظفين حول كيفية التعرف على علامات غسل الأموال وتفهم أساليبها المتطورة.
- التعاون بين الدول: تعزيز التعاون الدولي لتبادل المعلومات والتنسيق في التحقيقات لمكافحة غسل الأموال بشكل فعال، إضافة إلى التعاون عبر تبادل المعلومات والاستخبارات لتعقب التدفقات غير المشروعة وتعطيل شبكات غسل الأموال العابرة للحدود.
- التعاون بين القطاعين العام والخاص: تعزيز الشراكات وتبادل المعلومات بين المؤسسات المالية والجهات التنظيمية ووكالات إنفاذ القانون لتحسين جهود مكافحة غسل الأموال.
- إجراءات العناية الواجبة: تنفيذ إجراءات دقيقة للتعرف على عملاء المؤسسات المالية وضمان شرعية أنشطتهم التجارية.
- إطار تنظيمي معزز: وضع وتنفيذ تشريعات صارمة تستهدف غسل الأموال القائم على التجارة، مع فرض عقوبات على المخالفين وتوفير موارد كافية لوكالات إنفاذ القانون.
- استخدام تقنية سلاسل الكتل "BlockChain": الاستفادة من سلاسل الكتل لتوفير الشفافية وقابلية التتبع للمعاملات التجارية، مما يقلل من فرص غسل الأموال.
- التكيف مع تقنيات غسيل الأموال المتطورة: متابعة أحدث الأساليب والتقنيات المستخدمة في غسل الأموال مثل الشركات الوهمية وتزوير الفواتير، وتوظيف الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لمواكبة هذه الأساليب.
كيفية تساعد منصة فوكال في التعامل مع غسل الأموال القائم على التجارة؟
تم تصميم منصة فوكال لمكافحة غسل الأموال لمساعدة المؤسسات المالية والشركات في كشف ومنع غسل الأموال والجرائم المالية الأخرى، بما في ذلك غسل الأموال القائم على التجارة. تستخدم البرمجيات تقنيات متقدمة والذكاء الاصطناعي لتحليل المعاملات وكشف الأنماط التي قد تشير إلى غسل الأموال القائم على التجارة.
- مراقبة المعاملات في الوقت الفعلي: تقوم منصة فوكال بمراقبة المعاملات بشكل مستمر لاكتشاف العلامات التي قد تدل على غسل الأموال القائم على التجارة، مثل المعاملات الكبيرة أو غير المعتادة، المعاملات التي تشمل دولًا ذات مخاطر عالية، أو المعاملات مع منظمات إجرامية معروفة أو مشبوهة.
- تصنيف المخاطر: تعتمد المنصة على تصنيف المخاطر لتحديد المعاملات التي قد تتضمن غسل الأموال القائم على التجارة، وهذا يمكّن الشركات من توجيه مواردها نحو المعاملات التي تمثل أكبر خطر.
- إجراءات العناية الواجبة: توفر المنصة إمكانية إجراء العناية الواجبة على العملاء والموردين، بما في ذلك فحص القوائم السوداء، قوائم المراقبة، وقواعد البيانات الأخرى، وهذا يساعد الشركات في التعرف على مخاطر غسل الأموال القائم على التجارة المحتملة قبل وقوعها.
الخلاصة
يمثل غسل الأموال القائم على التجارة تحديًا كبيرًا للأمن المالي العالمي، ولكن من خلال التعرف على مؤشرات المخاطر وتطبيق استراتيجيات مكافحته، يمكن للهيئات المالية والشركات أن تسهم بشكل كبير في منع هذا النشاط غير المشروع، إذ أن تعزيز التعاون الدولي والتزام الشركات باللوائح والتقنيات الحديثة سيكونان مفتاحين رئيسيين في التصدي لهذا التهديد.