يستعرض هذا المقال عملية تقييم مخاطر مكافحة غسيل الأموال في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي عملية تعد في صميم العمليات المالية للمؤسسات.
تعتبر الإمارات مركزًا رئيسيًا للأعمال العالمية، وقوة مالية مؤثرة على الصعيدين المحل والعالمي، إلا أن هذه المكانة الرفيعة تستدعي مسؤولية عظيمة، وهي ضرورة التأكد من أن مؤسستك لا تساهم، بشكل غير مقصود، في تمكين أي نوع من الجرائم المالية. ومن أبرز هذه الجرائم غسيل الأموال، الذي لا يُعد تهديدًا مجردًا، بل هو خطر حقيقي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار مؤسستك إذا لم يتم رصده والحد من تأثيره.
من أين تبدأ في تقييم مخاطر غسيل الأموال؟ أولًا، يجب عليك فهم المخاطر التي قد تواجهها مؤسستك، إذ أن المخاطر التي تتعرض لها مؤسستك ليست بالضرورة مماثلة لتلك التي قد يتعرض لها منافسوك. فالمخاطر تتفاوت بناءً على عدة عوامل منها: أ) نوع المنتجات والخدمات التي تقدمها، ب) الفئة المستهدفة من العملاء، ج) والمناطق الجغرافية التي تعمل فيها. وعند تحديد المخاطر، يمكنك حينها تبني نهج قائم على المخاطر، الأمر الذي يساعدك في تخصيص مواردك بشكل دقيق وفعّال، بدلاً من توزيعها بشكل عشوائي على أمل تحقيق أفضل النتائج.
إن قدرة مؤسستك على اكتشاف المخاطر وقياسها وتحجيمها في مجال الجرائم المالية هي أمر لا يقبل التفاوض، فقد أكد مصرف الإمارات المركزي بوضوح على أن كل مؤسسة مالية ملزمة بإجراء تقييم دقيق للمخاطر لفهم موقعها الفعلي من حيث التعرض لأي نشاط مالي غير مشروع.
يعتمد إطار تقييم مخاطر غسيل الأموال في الإمارات على المرسوم الاتحادي رقم 20 لعام 2018، الذي يعرف بقانون مكافحة غسيل الأموال في الدولة. يحدد هذا القانون مسؤوليات الهيئات المختلفة، بما في ذلك المؤسسات المالية، والأعمال غير المالية (المعروفة بـ DNFBPs)، والهيئات الأخرى المعنية بالإبلاغ، بهدف مكافحة الأنشطة المالية غير القانونية.
كما توجد التوجيهات الصادرة عن مصرف لإمارات المركزي، التي تقدم تفاصيل دقيقة حول كيفية تعامل المؤسسات المالية مع كل ما يتعلق بالتحقق من العملاء (العناية الواجبة)، تقييم المخاطر، إعداد التقارير، والضوابط الداخلية.
تتوافق سياسات الإمارات أيضًا مع توصيات مجموعة العمل المالي (FATF). وبعد أن تم إدراج الإمارات في القائمة الرمادية للمجموعة، قامت الدولة بإجراء تحسينات جوهرية في جهود مكافحة غسيل الأموال، مما أسهم في رفع اسمها من تلك القائمة في فبراير 2024.
لمعرفة المزيد حول الهيئات التنظيمية الرئيسية التي تشرف على الامتثال لمكافحة غسيل الأموال في الإمارات، يمكنك الاطلاع على هذا المقال: لمحة عامة عن قوانين مكافحة غسيل الأموال في الإمارات.
نوضح فيما يلي أبرز التزامات الامتثال التي يتعين على المؤسسات المالية العاملة في دولة الإمارات مراعاتها:
لا تقتصر هذه الالتزامات على البنوك فحسب، بل تشمل جميع الأنشطة التجارية في القطاع المالي أو الصناعات المرتبطة به، والتي يتعين عليها الامتثال لهذه اللوائح. ويتضمن ذلك:
يعد موظفو الامتثال وفرق مكافحة غسيل الأموال من الركائز الأساسية لجهود مؤسستك في ضمان الامتثال الكامل للمعايير. يجب عليهم:
كمؤسسة مالية تعمل في الإمارات، يجب أن تكون على دراية بالمخاطر التالية:
تربط الإمارات مكانتها في التجارة العالمية مع العديد من المناطق التي تشكل مخاطر مرتفعة، مما يزيد من احتمالية غسيل الأموال المرتبط بالتجارة. بالإضافة إلى ذلك، قد تعرضك المعاملات الدولية للتعامل مع دول ذات أنظمة مكافحة غسيل أموال ضعيفة، لذا يتطلب الأمر مراقبة دقيقة لهذه المعاملات.
يمثل الأفراد ذوو الثروات العالية والأشخاص ذو النفوذ السياسي (PEPs) مخاطر أكبر للجرائم المالية، وبالتالي يستدعي الأمر تطبيق العناية الواجبة المعززة. يجب أيضًا التحقق من المالكين الفعليين للأعمال التجارية أو الحسابات، حيث أن الشركات التي تخفي ملكيتها الحقيقية قد تكون متورطة في أنشطة غير قانونية.
تكون الأعمال التجارية التي تعتمد بشكل كبير على النقد والتحويلات غير الرسمية (مثل الحوالة) أكثر عرضة لغسيل الأموال، مما يستدعي مراقبة دقيقة لهذه القنوات. كما أن الخدمات المصرفية عبر الإنترنت وعمليات التحقق الإلكتروني للهوية (e-KYC) قد تكون عرضة للاحتيال، مما يجعل عملية التحقق من الهوية أمرًا بالغ الأهمية في هذه الحالات.
المناطق الحرة، وزيادة نمو التكنولوجيا المالية (Fintech) والأصول الافتراضية، فضلًا عن الصفقات العقارية الكبيرة، يمكن أن تُستخدم بشكل غير مشروع لغسيل الأموال.
أطلقت دولة الإمارات استراتيجية وطنية جديدة لمكافحة غسيل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب، وتمويل انتشار الأسلحة للفترة من 2024 إلى 2027. تتضمن هذه الاستراتيجية 11 هدفًا رئيسيًا تركز على تعزيز الامتثال القائم على المخاطر وتقوية النظام المالي في الدولة.
تهدف الاستراتيجية إلى مواجهة المخاطر الجديدة مثل غسيل الأموال القائم على التجارة والجريمة الإلكترونية، مع تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص. كما تسعى إلى تعزيز الشفافية، وتقوية الرقابة على المؤسسات المالية، وتحديث التشريعات بما يتوافق مع المعايير العالمية. وتأتي هذه المبادرة في أعقاب إزالة الإمارات من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) في فبراير 2024، ما يعكس التزام الدولة بالأمن المالي العالمي.
للتعرف على كيفية تأثير إطار مكافحة غسيل الأموال في الإمارات على الأعمال في عام 2025، يمكنكم تحميل الورقة البيضاء من هنا.
يعزز تقييم مخاطر غسيل الأموال في الإمارات مستقبل مؤسستك، وعندما تتصدى لمخاطر غسيل الأموال بشكل مباشر، فإنك لا تلتزم فقط بالقوانين، بل تبني الثقة، وتقوي الأسس التي تقوم عليها مؤسستك، وتضمن قدرتها على الصمود في عالم مالي دائم التغير.
منتجات وحلول منصة فوكال، التي تشمل الامتثال لمكافحة غسيل الأموال، والعناية الواجبة بالعملاء، ومراقبة المعاملات، وتقنية بصمة الأجهزة، تتيح لك اتباع نهج استراتيجي يعتمد على البيانات لإدارة مخاطر غسيل الأموال والاحتيال بكفاءة وفعالية.