تظهر مخاطر الجرائم المالية التي تواجهها البنوك في سجلات الدخول، وقوائم انتظار المعاملات، وتأخيرات عمليات فتح الحسابات، حيث يبدأ دور إدارة مخاطر الجرائم المالية (FCRM) - أي الإطار المعني بالكشف المبكر عن الأنشطة المالية المشبوهة - بالتجسيد العملي.
ولكي تتمكن المؤسسات من منع ارتكاب الجرائم المالية، فلا بد لها أن ترصد مكامن الخطر المختبئة غالبًا خلف سلوكيات تبدو اعتيادية في ظاهرها، إذ يمنحها إطار عمل فعّال في هذا المجال رؤية دقيقة تمكّنها من رصد هذه المخاطر دون أن تُثقل كاهل فرق الامتثال بإنذارات زائفة لا طائل منها.
لا تُعد الجرائم المالية قائمة ثابتة من المخالفات، إذ تشكّل طيفًا مرنًا من الأنشطة غير القانونية التي تتبدّل بتغيّر الظروف الاقتصادية وتطور التكنولوجيا، كما تؤدي هذه الجرائم إلى اختراق الأنظمة المالية عبر وسائل متجددة تستغل الثغرات التنظيمية.
ورغم أن الخطاب التقليدي يُحبذ تصنيف الجرائم المالية ضمن قوالب محددة، إلا أن هذا النهج التبسيطي يُضعف من قدرة المؤسسات على إدراك تعقيدات هذه المخالفات وتشعّبها، حيث تمتاز بطابع تشغيلي متغير لا يمكن احتواؤه في تصنيفات جامدة.
ولتتمكن الجهات الرقابية والمؤسسات المالية من إدارة المخاطر المالية بكفاءة، فعليها أن تدرك بأن هذه الجرائم لا تحدث كأفعال فردية منعزلة، بل تتكامل كظواهر مترابطة تستغل الثغرات النظامية البنيوية.
أمثلة على الجرائم المالية:
يُعد غسل الأموال من أبرز الأمثلة على الجرائم المالية، إذ يمر عبر ثلاث مراحل رئيسية:
وغالبًا ما يجري تنفيذ هذه العمليات باستخدام أدوات مالية معقّدة، حيث تشمل:العملات الرقمية والشركات الوهمية والتلاعب في فواتير التجارة الدولية.
كما تهدف كل خطوة في هذه العمليات إلى إضعاف قدرة السلطات على تتبع أصل الأموال غير المشروعة، إذ تُصمم بمكرٍ لتعقيد المسارات المالية وإخفاء الروابط الحقيقية.
يشمل الاحتيال أي عملية خداع مقصودة تهدف إلى تحقيق منفعة مالية غير قانونية، إذ يتخذ هذا النوع من الجرائم أشكالًا متعددة، منها:
أ) احتيال بطاقات الائتمان
ب) سرقة الهوية
ج) الاحتيال الداخلي في المؤسسات
ويجدر التنبيه إلى أن جزءًا كبيرًا من هذه العمليات يُنفّذ من قبل موظفين داخليين يسيئون استخدام صلاحياتهم، حيث يستغلون ضعف الرقابة الداخلية، لذا ينبغي أن يشمل تقييم المخاطر السلوكيات الداخلية إلى جانب مراقبة المعاملات المالية.
لا تظهر آثار هذه الجرائم غالبًا على شكل خسائر مالية مباشرة، غير أنها تؤثر تأثيرًا بالغًا على ثقة المتعاملين وتؤدي إلى نشوء مخاطر غير مباشرة، حيث تتيح إدارة مخاطر الجرائم المالية رصد:
أ) الأنماط غير المعتادة في سلاسل التوريد والمشتريات
ب) آليات منح العقود
ج) طبيعة العلاقات مع الموردين
كما تؤدي هذه الانحرافات إلى إضعاف البيئة التشغيلية وخلق مناخ محفوف بالمخاطر المؤسسية.
نادراً ما يكون خرق العقوبات أمرًا واضحًا، حيث يجري التمويه عليه من خلال إنشاء هياكل مالية معقّدة مصمّمة خصيصًا لتجاوز الرقابة التنظيمية، إذ تستطيع المؤسسات عبر أدوات التقييم المتقدمة أن تتعرّف على: المسارات المالية الملتوية والمركّبة والجهات الوسيطة والواجهات الوهمية المشاركة في العمليات. كما يتطلب ذلك استخدام تقنيات تحليل متقدمة قادرة على تتبع العلاقة بين الأطراف المتورطة.
أدخلت الجرائم السيبرانية بعدًا جديدًا في ميدان الجرائم المالية، حيث أتاحت للمهاجمين الإلكترونيين:
وقد ساهم التوسع الرقمي في تسهيل تنفيذ هذه الأنشطة، حيث أضحت بعض الهجمات مؤتمتة وتدار عن بُعد باستخدام أدوات خفية يصعب اكتشافها بالوسائل التقليدية.
شهدت تكاليف الامتثال المرتبطة بمكافحة الجرائم المالية نموًا خلال السنوات الأخيرة، إذ ساهمت عوامل متعددة في تضخيم هذه التكاليف بصورة متزامنة:
تستمر الحكومات والهيئات الدولية في تحديث وتوسيع القواعد المنظمة لمكافحة غسل الأموال، حيث تفرض هذه التطورات على المؤسسات التزامات جديدة، لذا يتوجب عليها تخصيص استثمارات ضخمة في:
كما يؤدي الإخفاق في الامتثال إلى فرض غرامات باهظة، تُعد أشد وطأة من تكلفة الوقاية.
أصبحت أطر إدارة المخاطر المالية تعتمد اعتمادًا متزايدًا على:
وقد تبدو هذه الاستثمارات عبئًا ماليًا في البداية، غير أنها تُحقق مردودًا مرتفعًا على المدى الطويل، إذ تعزز من كفاءة الكشف المبكر وتقلل من الخسائر المحتملة.
أدى انفجار المعاملات الرقمية وتنوع قنوات الدفع إلى توليد كميات ضخمة من البيانات، مما استدعى من المؤسسات:
وهو ما ساهم بدوره في ارتفاع نفقات الامتثال بصورة ملحوظة.
تواجه المؤسسات صعوبة متزايدة في استقطاب والحفاظ على كوادر مؤهلة تمتلك المهارات اللازمة لفهم تعقيدات إدارة المخاطر والامتثال، إذ أدت هذه الندرة إلى ارتفاع تكاليف التوظيف والتدريب.
تشير إدارة مخاطر الجرائم المالية إلى عملية منظمة واستباقية تعتمدها المؤسسات المالية والشركات، تهدف إلى:
وأضحت إدارة وتقييم مخاطر الجرائم المالية أمرًا جوهريًا للمؤسسات، حيث تُمكّنها من تفادي الغرامات، والحفاظ على السمعة، وضمان استمرارية الأعمال.
يُعد نظام إدارة مخاطر الجرائم المالية منصة برمجية متخصصة صُمّمت لرصد مؤشرات السلوك المالي غير المشروع المخبّأة ضمن تدفقات ضخمة من البيانات، حيث يعمل على:
كما يتميّز هذا النظام بقدرته على معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة، ورصد الأنشطة المشبوهة تلقائيًا من خلال تحليل المعاملات، وبيانات العملاء، والقوائم الرقابية، مما يُغني العاملين عن تصفّح كميات ضخمة من المعلومات يدويًا. ويتتبع هذا النظام الأنماط غير الاعتيادية في السلوك المالي، مثل التحويلات الغريبة أو العلاقات مع جهات عالية المخاطر.
تفشل كثير من تقييمات المخاطر لأنها تستند إلى قوائم تحقق جامدة، وتعتمد على نماذج موروثة، وتتجاهل حقيقة أساسية وذلك أن الخطر:
وفيما يلي منهجية فعالة لتقييم هذه المخاطر:
لا تحاول تكييف عملك ضمن نماذج مخاطر جاهزة، بل افهم أولًا آلية عمل مؤسستك.
أين تتدفق الأموال؟ من هم عملاؤك؟ من هم الشركاء الخارجيون؟
إذا لم تستطع وصف كيف تجري العمليات المالية في مؤسستك، فستعجز غالبًا عن تحديد مكامن الخلل.
إجراء مقترح:
أنشئ خريطة تشغيلية تحدد فيها كل نقطة يتم من خلالها إدخال العملاء، أو الأموال، أو البيانات.
رغم أن الدول عالية المخاطر أو الأشخاص ذوي النفوذ السياسي يشكّلون عوامل هامة، إلا أن المخاطر الحقيقية تتجلى في السلوك. فالشخص ذو النفوذ لا يُعتبر خطرًا إلا إذا أساء استخدام سلطته، وبالتالي، ينبغي تتبع السلوكيات الفعلية:
إجراء مقترح:
استخرج الحالات الاستثنائية الأخيرة، والتجاوزات، والمعالجات اليدوية، فهي مؤشرات مبكرة على مدى تقبّل المخاطر ووجود نقاط ضعف خفية.
التقييم الرقمي من 1 إلى 5 لا معنى له من دون سياق واضح. إذا كنت تستخدم نموذجًا جاهزًا من جهة استشارية دون تكييفه وفق بيئتك المؤسسية، فأنت لا تقوم بتقييم حقيقي، بل تكرّر نموذجًا نظريًا.
إجراء مقترح:
صِغ منطق تقييم مبسطًا استنادًا إلى الأسئلة التالية:
سرد الضوابط لا يكفي، بل يجب اختبار فاعليتها، وافتراض فشلها، وتجربة اختراقها. اسأل نفسك: إذا حاول شخص تحويل 500,000 دولار دون أن يُكتشف، هل سيتمكّن؟
إجراء مقترح:
نفّذ محاكاة داخلية بالتعاون مع فرق متعددة، وأجرِ معاملات مشبوهة واختبر ما إذا كانت تُكتشف أم لا.
تعمد معظم المؤسسات إلى تحديث تقييماتها سنويًا قبل عمليات التدقيق، إلا أن ذلك يأتي متأخرًا. تتغيّر المخاطر المالية مع كل منتج أو سوق أو تنظيم جديد، لذا ينبغي أن يُواكب التقييم هذه التغيرات في الوقت الفعلي.
إجراء مقترح:
اربط تحديث تقييم المخاطر بأي تغيير تشغيلي: دخول سوق جديدة، تحديث نظام، أو تعديل سياسة، بحيث يؤدّي كل تغيير تلقائيًا إلى إعادة التقييم.
تُطبق غالبية المؤسسات المالية نماذج معينة لإدارة مخاطر الجرائم المالية، إلا أن ما يميز البرامج الناجحة عن غيرها هو التنفيذ الفعّال. فيما يلي أفضل الممارسات التي تتبعها المؤسسات ذات الأداء العالي:
تمثل إدارة مخاطر الجرائم المالية اختبارًا حقيقيًا لنزاهة المؤسسة وتركيزها الداخلي، حيث تنجح المؤسسات التي تملك الجرأة لمواجهة نقاط ضعفها، وتسعى إلى معالجتها قبل أن تفرضها الجهات التنظيمية أو تستغلها الشبكات الإجرامية. بعبارة أخرى، تكشف إدارة مخاطر الجرائم المالية النقاط العمياء في المؤسسة، مما يُمكّنها من التحرك بفاعلية.
تُساعدك منصة فوكال للوقاية من الجرائم المالية على تجاوز التعقيدات، حيث توفر رؤى واضحة وقابلة للتنفيذ، مما يجعل إدارة مخاطر الجرائم المالية أكثر سرعة وذكاء وسهولة. إذا كنت ترغب في معرفة المزيد، احجز عرضًا توضيحيًا للتواصل مع أحد الخبراء.
تشير الجرائم المالية في القطاع المصرفي إلى الأنشطة غير القانونية التي تُمارس من خلال المؤسسات المالية أو تُرتكب ضدها، وتشمل غسل الأموال، والاحتيال، والرشوة، وانتحال الهوية، وغيرها.
تمثل منهجية تقييم مخاطر الجرائم المالية نهجًا منظمًا تستخدمه المؤسسات المالية لتحديد المخاطر المرتبطة بالجرائم المالية، وقياسها، وترتيبها حسب الأولوية.
يشير الامتثال في مجال الجرائم المالية إلى الأنظمة والسياسات والإجراءات التي تعتمدها المؤسسات للكشف عن الجرائم المالية ومنعها والاستجابة لها، بما يتوافق مع المتطلبات القانونية والتنظيمية.