في المملكة العربية السعودية، لم تعد عملية التحقق من الهوية تتم عند نوافذ الخدمة التقليدية، إذ أصبحت تُنفّذ في أجزاء من الثانية، من خلال واجهات برمجة التطبيقات المشفّرة، عبر قواعد بيانات وطنية مثل يقين، وتحت الرقابة المباشرة من البنك المركزي السعودي وهيئة السوق المالية السعودية.
وقد تسارعت المملكة في مسيرتها نحو تحقيق أهداف التحول الرقمي المنصوص عليها في رؤية 2030، حيث تطورت آلية التحقق الفوري من الهوية، من كونها إجراءً امتثاليًا يُنفّذ في الخلفية، إلى أن أصبحت خط الدفاع الأول في مواجهة الجرائم المالية.
وتستعرض هذه المقالة ماهية التحقق الفوري من الهوية بالنسبة للمؤسسات المالية العاملة داخل المملكة، حيث تتناول المتطلبات القانونية، والمنصات المعنية بالتحقق مثل يقين ونفاذ، إلى جانب أفضل الممارسات في التنفيذ، كما توضح كيفية الاستباق في مجابهة عمليات التدقيق التنظيمي وأنماط الاحتيال المالي المتغيرة، في بيئة تشهد طفرة استثنائية في نمو قطاع التقنية المالية.
ما هو التحقق من الهوية في المملكة العربية السعودية؟
يعتمد التحقق من الهوية في المملكة العربية السعودية بوصفه عملية محورية تنفذها المؤسسات المالية من أجل التأكد من هوية عملائها. وتُعد هذه العملية أساسية ضمن إطار اعرف عميلك (KYC) ومكافحة غسل الأموال (AML)، حيث تهدف إلى ضمان الالتزام بالضوابط التنظيمية الصادرة عن الجهات الرقابية، مثل البنك المركزي السعودي وهيئة السوق المالية.
ويكمن الهدف الأساسي في منع وقوع الجرائم المالية، مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إذ تتحقق المؤسسات من أن الأفراد الذين يجرون معاملات مالية هم بالفعل أصحاب الهويات التي يزعمونها.
وقد نص دليل قواعد البنك المركزي السعودي ضمن متطلبات اعرف عميلك على ما يلي:
يجب على الشخص المرخص له أن يتخذ جميع الخطوات اللازمة التي تمكّنه من إثبات الهوية الحقيقية والكاملة لكل عميل، وكذلك الوضع المالي للعميل وأهدافه الاستثمارية. كما يجب عليه عدم فتح حسابات مجهولة الهوية، أو حسابات بأسماء مزيفة أو وهمية، أو حسابات لأشخاص محظورين تم إشعار الجهة التنظيمية بهم.
الإطار التنظيمي لعملية التحقق من الهوية في المملكة العربية السعودية
يُشكّل نظام مكافحة غسل الأموال الأساس القانوني المنظم للأنشطة المتعلقة بمكافحة غسل الأموال داخل المملكة، حيث يُلزم هذا النظام المؤسسات المالية بوضع سياسات صارمة لرصد الأنشطة المشبوهة والإبلاغ عنها، وذلك بهدف تعزيز نزاهة النظام المالي الوطني. ويشمل النظام على أحكام رئيسة، من أبرزها:
- تحديد هوية العميل والتحقق منها: تُلزم المؤسسات المالية بتحديد هوية العملاء، والمستفيدين الفعليين، والأشخاص المفوضين بالتصرف نيابة عنهم، من خلال استخدام مستندات أو بيانات أو معلومات مستقلة وموثوقة.
- المراقبة المستمرة: يتعين على المؤسسات تطبيق آلية رقابة مستمرة على المعاملات، لضمان توافقها مع المعرفة المسبقة بالعميل، ونشاطه التجاري، وملف المخاطر المرتبط به.
إرشادات البنك المركزي السعودي بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
أصدر البنك المركزي السعودي إرشادات تفصيلية تتعلق بمتطلبات عمليات اعرف عميلك، حيث أكّد على ضرورة التحقق من هويات العملاء والمستفيدين الفعليين باستخدام مستندات أصلية وسارية. وقد تضمنت هذه الإرشادات ما يلي:
- النهج القائم على المخاطر: يتوجب على المؤسسات المالية تبنّي نهج مبني على تقييم المخاطر في تنفيذ إجراءات العناية الواجبة بالعملاء، حيث ينبغي أن تتناسب درجة الإجراءات مع مستوى المخاطر المرتبطة بكل عميل أو علاقة تجارية.
- حفظ السجلات: تُلزم الإرشادات المؤسسات المالية بالاحتفاظ بسجلات تتعلق بتعريف العملاء وبيانات المعاملات لمدة لا تقل عن عشر سنوات، كما يجب ضمان توافر هذه السجلات للجهات المختصة عند الطلب.
- تحديد هوية العميل: ينبغي على الأشخاص المرخص لهم التحقق من الهوية الحقيقية لكل عميل ومستفيد فعلي، قبل الشروع في إقامة العلاقة التجارية أو تنفيذ أي عملية.
- العناية الواجبة المستمرة: يتعين على المؤسسات مراقبة العلاقة مع العميل بشكل مستمر، وذلك لضمان أن أنشطته ومعاملاته تتماشى مع المعلومات المتوافرة لدى المؤسسة، ومع ملف المخاطر المرتبط به.
- الاعتماد على أطراف ثالثة: تسمح الإرشادات بالاستعانة بأطراف ثالثة لتنفيذ إجراءات العناية الواجبة، إلا أن المسؤولية النهائية تبقى على عاتق الجهة المرخص لها، إذ يجب عليها التأكد من أن الجهة الثالثة تخضع لتنظيم ورقابة مناسبين، وتمتلك آليات فعالة لتنفيذ الإجراءات المطلوبة.
كيفية تُحقق المؤسسات المالية في المملكة العربية السعودية من هويات العملاء
تعتمد المؤسسات المالية في المملكة على مزيج متكامل من الوسائل التقليدية والرقمية لتوثيق هوية العملاء والتأكد من صحتها.
- التحقق من بطاقة الهوية الوطنية: تُعد بطاقة الهوية الوطنية السعودية الوثيقة الأساسية التي يُعتمد عليها في تعريف المواطنين والمقيمين، حيث تقوم المؤسسات المالية بالتحقق من هذه البطاقات من خلال:
- فحص السمات الأمنية الفيزيائية:
- التحقق من وجود الهولوغرام
- استخدام تقنية التعرف البصري على الأحرف (OCR)
- المطابقة مع قواعد البيانات الحكومية:
- التحقق الفوري في الزمن الفعلي
- التحقق الرقمي من الهوية عبر بوابة نفاذ: توفر بوابة نفاذ، الذي تُشرف عليها الهيئة الوطنية للمعلومات، وسيلة آمنة للتحقق الرقمي من الهوية عبر منصات متعددة، حيث يُمكن للأفراد استخدام بيانات الدخول إلى منصة أبشر للوصول السلس إلى الخدمات المالية، مما يُعزز مستوى الأمان ويُحسّن تجربة المستخدم.
- التحقق البيومتري: تُستخدم تقنيات التحقق البيومتري، مثل التعرف على الوجه، ومسح بصمات الأصابع، ومسح قزحية العين، كجزء من عملية التحقق من الهوية، إذ تُسهم هذه الوسائل بشكل فعال في تعزيز الدقة والحماية، وتُعد أداة فعالة في مكافحة الاحتيال وسرقة الهوية.
- التحقق من رقم الهاتف المحمول عبر خدمة تحقق: تعتمد المؤسسات المالية على ربط أرقام الجوال الخاصة بالعملاء بحساباتهم من خلال خدمة تحقق، حيث تتم مطابقة رقم هوية مالك الحساب مع هوية مالك رقم الجوال، مما يضمن تطابق البيانات ويُقلل من احتمالات انتحال الهوية.
- التكامل مع المنصات الحكومية: تُنسق المؤسسات المالية مع منصات حكومية، مثل أبشر، للتحقق من هويات العملاء بشكل إلكتروني، حيث يُسهم هذا التكامل في تسهيل الإجراءات المالية، ويُعزز الأمان من خلال اعتماد منصات حكومية موثوقة لتوثيق الهوية.
متى يتوجب على الشركات تطبيق إجراءات اعرف عميلك وإجراءات العناية الواجبة؟
تلتزم الشركات العاملة في المملكة بتطبيق مبادئ اعرف عميلك (KYC) وإجراءات العناية الواجبة (CDD) في الحالات التالية:
- عند بدء علاقة تجارية جديدة
- عند وجود اشتباه بحدوث نشاطات مرتبطة بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب
- عند ظهور شكوك حول دقة المعلومات التي تم جمعها مسبقًا من العميل
ما الوثائق المعتمدة للتحقق من الهوية؟
تُستخدم الوثائق التالية عادةً في إجراءات التحقق من الهوية:
1. للمواطنين السعوديين
- إثبات العنوان، مثل فواتير الخدمات أو كشوف الحساب البنكي
2. للمقيمين الأفراد
- بطاقة الإقامة أو تصريح الإقامة الخاص لمدة خمس سنوات
- الهوية الوطنية لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي
- بطاقة تعريف دبلوماسية للدبلوماسيين
- إثبات العنوان، مثل فواتير الخدمات أو كشوف الحساب البنكي
3. للكيانات الاعتبارية
- السجل التجاري الصادر عن وزارة التجارة والصناعة
- الترخيص الصادر عن وزارة الشؤون البلدية والقروية للمنشآت الخدمية
- بطاقة الهوية الوطنية لصاحب المنشأة السعودي
- قائمة المستفيدين الفعليين والمخولين بالتوقيع، مع وثائق إثبات الهوية لكل منهم
دور التحقق من الهوية في دعم المؤسسات المالية في المملكة العربية السعودية
في ظل بيئة مالية متغيرة وسريعة النمو، يُحقق تطبيق أنظمة تحقق دقيقة من الهوية مجموعة من الفوائد المهمة للمؤسسات المالية:
1. تعزيز الامتثال التنظيمي
- يُحاكي التوجيهات الصادرة عن البنك المركزي السعودي، ويُقلل من احتمالات التعرض للمخاطر التنظيمية
2. الحد من الاحتيال والجرائم المالية
- يُساعد على اكتشاف الأنشطة المشبوهة في مراحلها المبكرة، مما يُعزز جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
3. رفع الكفاءة التشغيلية
- يُبسّط عملية انضمام العملاء، ويُسرّع فتح الحسابات ويُقلل من التدخل اليدوي
- يُؤتمت عمليات التحقق، مما يُتيح إعادة توجيه الموارد إلى المهام ذات الأولوية
4. تعزيز الثقة ورضا العملاء
- يُوفّر تجربة مالية آمنة، ويُطمئن العملاء بحماية معلوماتهم الشخصية
- يُسهّل الوصول إلى الخدمات من خلال المنصات الرقمية مثل أبشر أو حلول التحقق البيومتري، مما يُعزز ولاء العملاء وجودة تجربتهم المصرفية
أبرز التحديات في التحقق من الهوية لدى المؤسسات المالية في المملكة العربية السعودية
رغم التطور المستمر في تقنيات التحقق من الهوية، لا تزال المؤسسات المالية في المملكة العربية السعودية تواجه عدة تحديات تؤثر على فعالية هذه العمليات، ومن أبرزها:
- الهويات الاصطناعية وبيانات الاعتماد المسروقة: تُواجه المؤسسات محاولات مستمرة لإنشاء هويات زائفة أو استخدام بيانات اعتماد مسروقة، مما يُعرّض أنظمتها لمخاطر أمنية معقدة تتطلب حلولًا دقيقة ومحدثة باستمرار.
- تقديم مستندات احتيالية: يلجأ بعض الأفراد إلى تقديم وثائق مزيفة عند طلب الخدمات المالية، مما يُحتّم على المؤسسات امتلاك أدوات متقدمة قادرة على كشف التزوير وتقييم صحة الوثائق المقدمة.
- ثغرات في تناسق البيانات وتكامل الأنظمة: تُعاني بعض المؤسسات من ضعف تكامل أنظمتها الداخلية مع قواعد البيانات الحكومية، حيث يؤدي ذلك إلى فجوات في التحقق من دقة البيانات واستمرارية عمليات المطابقة.
- المخاطر الناتجة عن الاعتماد الزائد على الأتمتة: رغم أهمية الأتمتة في تسريع العمليات، إلا أن الاعتماد المفرط عليها دون رقابة بشرية يعزز من احتمالية مرور حالات احتيالية يصعب على الخوارزميات وحدها اكتشافها.
- تحديات تسجيل العملاء من غير المقيمين وعبر الحدود: تُواجه المؤسسات صعوبات في التحقق من هويات العملاء غير المقيمين أو القادمين من دول أخرى، إذ تختلف الوثائق الرسمية والمراجع الحكومية المستخدمة لإثبات الهوية.
- التحميل الزائد للبيانات: تُؤدي الكميات الضخمة من البيانات المُعالجة خلال عمليات التحقق إلى تعقيد المهام التشغيلية، مما يتطلب بنية تحتية تقنية قوية قادرة على إدارة هذا الكم دون التأثير على الأداء.
أفضل الممارسات للتحقق من الهوية في المملكة العربية السعودية
لكي تتمكن المؤسسات المالية من تنفيذ عمليات تحقق فعّالة، ينبغي لها الالتزام بعدد من الممارسات المثلى، ومن أبرزها:
- الاستفادة من المنصات الرقمية المدعومة حكوميًا: يساهم استخدام منصات مثل أبشر في تسريع عمليات التحقق من الهوية وضمان موثوقيتها، حيث تتوافق هذه المنصات مع توجهات التحول الرقمي الوطني.
- تطبيق المصادقة متعددة العوامل: يعزز الجمع بين ما يعرفه المستخدم (كلمة المرور)، وما يمتلكه (الجهاز المحمول)، وما يُمثله (البيانات البيومترية) من مستوى الأمان، حيث يُعد ذلك من أهم أساليب الحماية ضد التلاعب.
- تحديث إجراءات التحقق بشكل منتظم: تُحتم الظروف التقنية والتشريعية المتغيرة على المؤسسات إعادة تقييم عمليات التحقق دوريًا، لضمان ملاءمتها للتحديات الجديدة ومتطلبات الامتثال المستجدة.
- حماية خصوصية البيانات: يلزم الالتزام الصارم بقوانين حماية البيانات، مع تطبيق حلول أمن سيبراني متقدمة، لحماية معلومات العملاء والحفاظ على الثقة المؤسسية.
- تثقيف العملاء: يتعين على المؤسسات توعية عملائها بأهمية التحقق من الهوية وكيفية استخدام بياناتهم، إذ يُسهم ذلك في ترسيخ الثقة وضمان التعاون خلال مراحل التحقق المختلفة.
اقرأ المزيد: التحقق من الهوية باستخدام تقنية الاتصال قريب المدى (NFC)
حقق الامتثال لمتطلبات غسل الأموال في المملكة العربية السعودية
يمكن للمؤسسات المالية في المملكة العربية السعودية تحقيق الامتثال لمتطلبات مكافحة غسل الأموال (AML) بفعالية عبر استخدام منصة فوكال، التي توفر حلاً متكاملاً يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة للتحقق الدقيق والفوري من هوية العملاء، وتنفيذ إجراءات العناية الواجبة المبنية على تقييم المخاطر، ورصد الأنشطة المشبوهة بشكل آلي.
كما تتوافق المنصة مع تعليمات البنك المركزي السعودي وهيئة السوق المالية، مما يتيح رصد وتحليل المعاملات المالية غير الاعتيادية وتقديم تقارير الامتثال بشكل سريع وموثوق، فضلاً عن تسهيل عمليات التدقيق والحفاظ على سجلات العملاء بما يتوافق مع القوانين المحلية، مما يعزز من حماية المؤسسات المالية ضد مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب ويضمن استمرارية أعمالها ضمن أطر قانونية صارمة.