في المملكة العربية السعودية، حيث يشهد النظام المالي تحولًا رقميًا متسارعًا في إطار رؤية 2030، تُولي الجهات التنظيمية والمؤسسات المالية اهتمامًا متزايدًا بفعالية مراقبة المعاملات بشكل لحظي وآني.
إذ تُساعد مراقبة المعاملات البنوك والمؤسسات المالية على اكتشاف الأنشطة غير الاعتيادية، وتقليل مستوى المخاطر، وضمان الامتثال للتشريعات الوطنية والمعايير الدولية. كما تكتسب هذه الرقابة أهمية خاصة في المملكة، التي تُعد محورًا للتجارة العالمية والأنشطة المالية، وتقع في منطقة تتسم بتعقيدات جيوسياسية إقليمية.
تستند مراقبة المعاملات الفعّالة في المملكة إلى إطار تنظيمي ورقابي متين، صُمم خصيصًا لمكافحة جرائم غسل الأموال، إذ تتولى عدة هيئات تنظيمية وأطر قانونية رئيسية تحديد الطريقة التي ينبغي للمؤسسات المالية أن تطبق بها أنظمة المراقبة وتُديرها.
يُعد البنك المركزي السعودي الجهة التنظيمية الأساسية للمصارف والمؤسسات المالية المرخصة في المملكة، حيث يضع معايير الامتثال لمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما في ذلك الالتزامات المتعلقة بمراقبة المعاملات، من خلال أطر تنظيمية وتعاميم تفصيلية.
كما تفرض لوائح البنك الخاصة بمكافحة غسل الأموال على المؤسسات المالية أن تطبق أنظمة مراقبة قائمة على تحليل المخاطر، وأن تُبلّغ عن الأنشطة المشبوهة في الوقت المناسب، وأن تحتفظ بسجلات المراقبة لمدة لا تقل عن عشر سنوات.
تُعتبر وحدة التحريات المالية السعودية، التابعة لرئاسة أمن الدولة، الجهة المسؤولة عن استلام وتحليل تقارير العمليات المشبوهة، حيث تقوم بإحالة نتائجها إلى الجهات الأمنية أو الرقابية المختصة.
كما تُدير الوحدة منصة تقديم التقارير، وهي منصة طوّرها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وتشارك الوحدة كذلك في الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة غسل الأموال، بما في ذلك عضويتها في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يُحدد نظام مكافحة غسل الأموال في المملكة الأساس القانوني لجميع الإجراءات المتعلقة بالمكافحة، بما في ذلك إجراءات التحقق من هوية العملاء، وحفظ السجلات، والمراقبة المستمرة.
حيث تنص المادة الثامنة على أن تلتزم المؤسسات المالية بوضع أنظمة داخلية تُمكنها من مراقبة المعاملات بشكل متواصل، واكتشاف الأنماط غير الاعتيادية أو المشبوهة.
كما يؤدي عدم تنفيذ آليات فعالة للمراقبة إلى فرض جزاءات إدارية، تشمل الغرامات المالية أو تعليق الترخيص.
أصدر البنك المركزي السعودي في عام 2022 تحديثًا للائحة التنفيذية الخاصة بمكافحة غسل الأموال، حيث عزز هذا التحديث التوجه نحو استخدام أنظمة مراقبة تعتمد على التكنولوجيا، إلى جانب إجراء اختبارات محاكاة للسيناريوهات المختلفة.
وتضمنت أبرز التوجيهات:
تُعد المملكة العربية السعودية عضوًا في مجموعة العمل المالي (FATF) ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF)، حيث بُني الإطار التنظيمي السعودي لمكافحة غسل الأموال بما يتوافق مع التوصيات الأربعين التي أصدرتها مجموعة العمل المالي.
وقد حصلت المملكة في عام 2018 على تصنيف "ملتزم" أو "ملتزم إلى حد كبير" في معظم المعايير الفنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلا أن التقييم أشار إلى الحاجة لتعزيز فعالية تقديم التقارير المشبوهة، خصوصًا في القطاعات غير المصرفية.
النقاط الأساسية الواجب مراعاتها:
لا تقتصر فعالية برامج مراقبة المعاملات على الحلول التقنية، إذ تعتمد على إطار ديناميكي يستند إلى تحليل المخاطر، ويجمع بين الكفاءات البشرية، والإجراءات التنظيمية، والتكنولوجيا المتقدمة.
وتنص المادة (13) من نظام مكافحة غسل الأموال، والمادة (69) من نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، على ما يلي:
"تتحمل المؤسسة المالية مسؤولية المتابعة المستمرة للمعاملات والمستندات والبيانات، للتحقق من توافقها مع المعلومات المتوفرة عن العميل أو العلاقة التجارية، كما تشمل المسؤولية إيلاء اهتمام خاص للمعاملات غير الاعتيادية، لا سيما في الحالات التي تنطوي على مخاطر مرتفعة تتعلق بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب."
ينبغي أن تبدأ عملية المراقبة الفعالة بوضع ملفات تعريف دقيقة لكل عميل، حيث تأخذ بعين الاعتبار عوامل مثل:
كما يؤكد البنك المركزي السعودي على أن تُعاير أنظمة المراقبة لتُطابق ملفات المخاطر الفردية الخاصة بكل عميل.
يجب أن تعتمد المؤسسات على سيناريوهات قائمة على قواعد واضحة لاكتشاف المؤشرات التحذيرية، مثل:
ويُفترض أن تكون هذه المعايير مرنة، ومُصممة بما يتوافق مع السلوك المتوقع من العميل، لا أن تُطبق بشكل موحد على جميع الحالات.
عند استيفاء معاملة معينة لإحدى القواعد المحددة، يجب أن تُولّد تنبيهًا، ومن ثم:
كما تُعد أفضل الممارسات استخدام أدوات سير العمل المؤتمت، وتسجيل ملاحظات قابلة للتدقيق، وتطبيق تصنيفات مخاطر لكل تنبيه أو حالة.
تُدمج الأنظمة المتقدمة أدوات لتحليل الروابط، بهدف الربط بين المعاملات أو الحسابات التي قد تبدو غير ذات صلة بشكل ظاهري، إذ تُمكن هذه الأدوات من:
إذا اعتُبر التنبيه مريبًا، فعلى المؤسسة تقديم بلاغ فوري إلى وحدة التحريات المالية، حيث يحث نظام مكافحة غسل الأموال على ما يلي:
يجب على المؤسسة المالية أن تُبلغ وحدة التحريات المالية بشكل مباشر وفوري عند توفر اشتباه، أو وجود معلومات أو أسباب معقولة للاعتقاد بأن سلوك العميل يرتبط بأعمال غسل أموال أو تمويل إرهاب. وإذا قدّمت المؤسسة التقرير، فعليها الاستجابة لأي طلب إضافي يصدر عن الوحدة وتحقيق التعاون الكامل لتحليل البلاغ.
كما تلتزم المؤسسة بالإبلاغ عن جميع المعاملات المشبوهة، بما في ذلك المحاولات غير الناجحة، متى توفرت أسباب منطقية للاشتباه، بغض النظر عن قيمة المعاملة.
تتمتع المملكة العربية السعودية بموقع استراتيجي متميّز يجعلها مركزًا ماليًا إقليميًا محوريًا، وركنًا أساسيًا في منظومة التمويل العابر للحدود، والمصرفية الإسلامية، وتجارة النفط والسلع. وعلى الرغم من أن هذه السمات تمنحها مزايا اقتصادية معتبرة، فإنها في الوقت ذاته تُعرّض نظامها المالي لمخاطر استهدافه من قبل شبكات غسل الأموال.
إن انخراط المملكة الواسع في التجارة الدولية، إلى جانب تدفقات تحويلات الوافدين، يجعل نظامها المالي عرضة لأنماط معقدة من غسل الأموال. وغالبًا ما تُستغل قنوات التحويلات في تنفيذ عمليات تمويهية تعتمد على أساليب التفتيت المالي (smurfing) لإخفاء مصادر الأموال غير المشروعة.
أفادت تقارير البنك المركزي السعودي ووحدة التحريات المالية بتنامي ملحوظ في استخدام أساليب متقدمة لغسل الأموال، من أبرزها:
ولا يكفي لمجابهة هذه الأساليب الاعتماد على تنبيهات قائمة على قواعد جامدة، بل تقتضي مواجهة التحدي تطوير سيناريوهات ذكية، ونماذج كشف تستند إلى تحليل سلوكي دقيق ومعمق.
في تقرير التقييم المتبادل الصادر عام 2018، أشادت مجموعة العمل المالي (FATF) بالإطار التشريعي والتنظيمي للمملكة، لكنها أوصت بتعزيز جودة تقارير المعاملات المشبوهة وتطوير أدوات الكشف المُوجّه.
ومنذ ذلك الحين، باشر البنك المركزي السعودي بتنفيذ عدد من المبادرات الجوهرية، من بينها:
يسلط هذا القسم الضوء على أبرز الممارسات التي ينبغي تبنّيها لمراقبة المعاملات والإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة، بما يتماشى مع الأطر التنظيمية والضوابط المعتمدة في المملكة.
تُلزم تعليمات البنك المركزي السعودي المؤسسات المالية بتطبيق ضوابط مبنية على تقييم المخاطر، بحيث تُركّز الموارد الرقابية على العملاء والمعاملات ذات المخاطر المرتفعة، مع إقرار إجراءات مُبسطة للحالات منخفضة الخطورة، بما يضمن استخدامًا فعالًا للموارد دون الإخلال بمتطلبات الامتثال.
ينبغي أن تكون أنظمة المراقبة متصلة اتصالًا وثيقًا بأنظمة "اعرف عميلك" والأنظمة المصرفية المركزية، لضمان تحليل متكامل وغني بالسياق عند معالجة التنبيهات. فالفجوات في هذا التكامل قد تضعف من جودة تقارير الاشتباه وتُقوّض قدرة المؤسسة على تكوين سرد تحليلي دقيق.
لا يُعوّل على المراقبة اليدوية في ظل تعقيد البيئة المالية؛ ولذا يشترط البنك المركزي السعودي استخدام أنظمة تقنية متطورة قادرة على إجراء المراقبة اللحظية أو القريبة من اللحظية، وتُوفّر تنبيهات دقيقة وفي الوقت المناسب.
يتعيّن على المؤسسات تطوير مؤشرات وأنماط مراقبة قائمة على التهديدات الناشئة في مجال غسل الأموال، وتحديثها دوريًا استنادًا إلى المعلومات الاستخباراتية الداخلية والمصادر الخارجية ذات الصلة.
يُطلب من المؤسسات إجراء اختبارات دورية شاملة لأنظمة المراقبة، مع توثيق النتائج وتطبيق التحسينات اللازمة لضمان الحفاظ على أعلى مستويات الكفاءة والامتثال.
ينبغي أن تتم الموافقة على السياسات والسيناريوهات وإجراءات تقارير الاشتباه من قِبل الإدارة العليا، كما يجب تعيين جهة إشرافية، مثل عضو مجلس إدارة أو مسؤول المخاطر، لضمان الرقابة والامتثال لجميع متطلبات الرقابة الداخلية.
من الضروري توفير تدريب متخصص للموظفين يتناسب مع مهامهم ومسؤولياتهم، مع تحديد آليات تصعيد واضحة لتقارير الاشتباه، وضمان السرية التامة للبيانات والمعلومات المتعلقة بالتحقيقات الداخلية.
تلتزم المؤسسات بالاحتفاظ بسجلات توثّق جميع مراحل المراقبة والتحقيق، بما يشمل مراجعات التنبيهات، والملاحظات التحليلية، وأسباب إعداد التقارير، لمدة لا تقل عن عشر سنوات، التزامًا بالأنظمة الرقابية.
تُعد منصة فوكال أحد الحلول الرائدة التي تسهم في تعزيز قدرات المؤسسات المالية في مجال مكافحة غسل الأموال، إذ تقوم المنصة بفحص المعاملات بشكل لحظي مقابل قوائم العقوبات الدولية، وقوائم المخاطر المرتفعة، مع إمكانية إدراج قوائم داخلية مُخصصة لزيادة مستوى الأمان.
كما تتيح المنصة مراقبة آنية تساعد على رصد الأنشطة المشبوهة في وقتها الفعلي، وتمكّن الجهات المالية من ضبط مستويات المخاطر بما يتوافق مع سياساتها، الأمر الذي يُعزز من جاهزيتها التنظيمية والامتثال للضوابط الوطنية.
نعم، بموجب المادة (13) من نظام مكافحة غسل الأموال واللوائح ذات الصلة الصادرة عن البنك المركزي السعودي، تلتزم المؤسسات المالية بمتابعة ومراقبة تعاملات العملاء ونشاطاتهم بشكل مستمر. ويُشترط استخدام أدوات تقنية فعالة متصلة بالأنظمة البنكية الأساسية، إذ لا تكفي الأساليب اليدوية في هذا السياق.
تُعد المعاملة مشبوهة إذا توفرت مؤشرات معقولة تدل على احتمال ارتباطها بغسل الأموال. ومن أبرز الأمثلة:
تقع مسؤولية مراقبة المعاملات على جميع الجهات الخاضعة لأحكام نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ويشمل ذلك:
وعلى جميع هذه الجهات تطبيق أنظمة رقابة فعالة قائمة على تقييم المخاطر، وإنشاء ضوابط داخلية محكمة، والإبلاغ عن أي نشاط يشتبه في ارتباطه بغسل الأموال إلى وحدة التحريات المالية في المملكة.