ظهر الاحتيال المالي مع ظهور المال، حيث واصل المحتالون استغلال الأنظمة المالية منذ نشأتها. وفي الكويت، تتسارع وتيرة التحولات، إذ انتقلت العمليات المصرفية إلى البيئة الرقمية، وتسارعت المدفوعات، وتكاثرت المعاملات عبر الحدود، مما أوجد ثغرات جديدة في النظام، يترصّدها المحتالون بعناية.
تُعد كل معاملة، وكل تنبيه، وكل إشارة تحذير تم تجاهلها، عنصرًا فاصلًا في مشهد الاحتيال. لذا، يهدف هذا المقال إلى توضيح ما ينبغي معرفته بدءًا من القوانين الرادعة للاحتيال في الكويت، وصولًا إلى الأدوات والتقنيات والاستراتيجيات الفورية التي أثبتت فعاليتها.
يحدث الاحتيال في كثير من الأحيان داخل المؤسسات نفسها، حيث يُسيء الموظف استخدام صلاحياته، أو يُقدّم العميل مستندات مزيفة، أو يستغل شخص ما ثغرة في إجراء إداري ضعيف. وتُنتج كل صورة من صور الاحتيال مخاطر مغايرة، لذا يقتضي الأمر أن تكون آليات الوقاية في الكويت مصممة بما ينسجم مع البيئة المحلية، لا أن تُستنسخ من تجارب خارجية.
يرتفع حجم المخاطر الناتجة عن الاحتيال، إذ لا يقتصر أثره على الخسائر المالية فقط، بل يمتد ليطال سمعة المؤسسة، ويستجلب عقوبات تنظيمية، ويُضعف ثقة العملاء. كما يُمكن لحادثة احتيال واحدة أن تُخلّف ضررًا طويل الأمد، خاصةً في المؤسسات التي تعمل تحت ضغط الالتزام بمعايير مكافحة غسل الأموال.
يشمل مفهوم منع الاحتيال في الكويت جميع الجهود التي تبذلها البنوك والجهات التنظيمية للحيلولة دون وقوع الجرائم المالية، حيث تتكامل القوانين، والأنظمة، والأدوات، والتدريبات، وبرامج التوعية المجتمعية، بهدف حماية الأفراد والشركات من التعرض للخداع أو السرقة.
تلتزم البنوك والمؤسسات المالية في الكويت قانونًا بمنع الاحتيال، إذ تُفرض عليها قوانين صارمة، وتُكلّف بالإبلاغ عن أي نشاط مشبوه، مع وجوب مواكبة التحديثات التنظيمية باستمرار.
يُعد القانون رقم (106) لسنة 2013 بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من أبرز القوانين المعنية بمنع الاحتيال، حيث يُحدّد الإجراءات التي يجب أن تتبعها المؤسسات لرصد ومنع عمليات غسل الأموال والاحتيال، كما يُوضّح التزامات الإبلاغ والعقوبات المترتبة على الإخلال بهذه الالتزامات.
أمّا بنك الكويت المركزي، فيلعب دورًا محوريًا، إذ يصدر التعليمات المرتبطة بمخاطر الاحتيال، ويُشرف على تنفيذ الضوابط، ويراقب أداء المؤسسات المالية. كما أطلق البنك في عام 2025 برنامج تسريع مبادرة درع الاحتيال، الذي يهدف إلى تعزيز قدرات البنوك في الوقاية من الاحتيال، عبر تقنيات ذكية وأنظمة إبلاغ أسرع.
كما فرض البنك تدابير أمنية جديدة على المصارف الرقمية، خاصةً في ما يتعلق بالتحويلات الإلكترونية، والمصرفية عبر الهاتف، وفتح الحسابات عن بُعد، وذلك لتقليص فرص الاحتيال الإلكتروني.
تُنسّق هذه الجهات جهودها من أجل ضمان تنفيذ سياسات مكافحة الاحتيال، ومساءلة المؤسسات المعنية.
تبدو أطر الوقاية من الاحتيال متشابهة من الناحية النظرية، إلا أن النجاح في تنفيذها داخل الكويت يتطلب فهمًا دقيقًا للسلوكيات المحلية، وسدّ الثغرات الفعلية، والتفكير الاستباقي في خطوات المحتالين.
ترتكب بعض المؤسسات خطأ شائعًا، إذ تعتمد على قوائم جاهزة مستمدة من تجارب عالمية دون تكييفها مع الخصوصية المالية والثقافية في الكويت. فعلى سبيل المثال:
تُبرمج الأنظمة التقليدية لرصد "المعاملات غير الطبيعية"، بينما يعتمد المحتالون المهرة على تغيير السلوكيات تدريجيًا. لذا، لا بد من طرح تساؤل إضافي: "هل يتماشى هذا السلوك مع النمط المعتاد لهذا العميل؟"
تُظهر العادات المالية في الكويت طابعًا خاصًا، مثل التحويلات خلال عطلات نهاية الأسبوع، أو أنماط الإهداء خلال رمضان، أو تجميع الأموال داخل العائلة، لذا يُعد تتبّع السلوكيات أداة فعالة. ويتوجب على جهود منع الاحتيال أن تتحول من الاكتفاء بالتحذيرات الآلية، إلى بناء نماذج سلوكية استباقية، لاسيما في حالات التهديدات الداخلية.
رغم توفر برامج التبليغ عن المخالفات في مؤسسات عديدة، إلا أن غياب الأمان النفسي يُقلّل من فاعليتها، إذ يخشى الموظفون التبعات، حتى إن كانت هويتهم محفوظة. ويتضاعف هذا الخوف في بيئة عمل هرمية صارمة.
لذا، لا بد أن يُبنى نظام منع الاحتيال على الثقة، وذلك من خلال:
تُعد السرعة من العناصر الحاسمة في السوق الكويتي، خاصةً في مجال المصرفية الرقمية والتقنيات المالية. وإذا تسببت فرق الاحتيال في تأخير الإجراءات، فسيتم تجاوزها. لذا، ينبغي إعادة تقديم دور منع الاحتيال بوصفه شريكًا استراتيجيًا للنمو المؤسسي، ويشمل ذلك:
تتمتّع الكويت ببنية رقمية موحدة، تشمل نظامًا مركزيًا للبطاقة المدنية، ومبادرة وطنية للهوية الرقمية، ما يشكّل ميزة تنافسية يجب استثمارها. ويمكن تحسين جهود منع الاحتيال عبر:
تُوفر البنية التحتية الرقمية في الكويت نقطة انطلاق قوية للمؤسسات، لكن تحقيق الاستفادة القصوى منها يتطلب حسن التوظيف والاستغلال الذكي.
حينما يتبادر إلى الأذهان الحديث عن تقنيات مكافحة الاحتيال، غالبًا ما يتخيل البعض لوحات تحكم متطورة، وتنبيهات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وإشارات تلقائية. غير أن الحقيقة هي أن غالبية حالات الاحتيال لا تزال تمر دون كشف، ليس بسبب ضعف الأدوات، بل نتيجة لانفصال تلك الأدوات عن واقع العادات المصرفية وقرارات الخطوط الأمامية.
يُروَّج كثيرًا لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في مجال مكافحة الاحتيال. إلا أن العديد من البنوك في الكويت ما زالت تفتقر إلى بيانات محلية نظيفة، مصنفة وموسومة بدقة. ويؤدي هذا القصور إلى صعوبة تمكين الأنظمة الذكية من "تعلّم" ماهية الاحتيال الحقيقي ضمن هذا السياق المحلي.
ولضمان فاعلية الذكاء الاصطناعي في الكويت، لا بد من:
إذ بدون تكييف محلي دقيق، حتى أقوى الأدوات التقنية قد تولّد إشارات زائفة لا جدوى منها.
لا تزال معظم أدوات مكافحة الاحتيال تعمل ضمن أنظمة منفصلة، حيث تُوجّه تنبيهات احتيال البطاقات إلى جهة، وتنبيهات تسجيل الدخول إلى جهة أخرى، بينما تُرصد مؤشرات غسيل الأموال في مكان مختلف تمامًا.
ويمكن أن تحقق الكويت قفزة نوعية في مكافحة الاحتيال من خلال اعتماد تحليلات آنية تشمل قنوات متعددة، بحيث تؤدي حركة مشبوهة في تطبيق الهاتف إلى مراجعة فورية للنشاط على البطاقات والقروض والحسابات.
وهذا هو التوجه الذي يشجعه "برنامج تسريع مبادرة درع الاحتيال" التابع لبنك الكويت المركزي، حيث يحث البنوك على دمج أنظمة مكافحة الاحتيال وتبادل الرؤى المهمة بسرعة وفاعلية.
فمثلًا، ينبغي أن تؤدي محاولة دخول من جهاز جديد، مصحوبة بعدم تطابق في الرقم المدني، وتحويل مالي سريع إلى الخارج، إلى اتخاذ قرار موحد، لا إلى ثلاث إشارات متفرقة.
رغم امتلاك الكويت منظومة قوية للرقم المدني والهوية الرقمية، إلا أن إمكاناتها الكاملة في مجال مكافحة الاحتيال لم تُستغل بعد. ولا يجب أن يقتصر استخدام الهوية الرقمية على التحقق الأولي عند فتح الحسابات، بل يجب أن تُستخدم كمؤشرات مستمرة لمخاطر الاحتيال. ومن أمثلة ذلك:
إذ يجب التعامل مع الهوية في الكويت باعتبارها متغيرة وديناميكية، لا مجرد عنصر تحقق ثابت.
رغم فائدة الأتمتة في مكافحة الاحتيال، إلا أن اتخاذ قرارات آلية من دون إشراف بشري قد يؤدي إلى أضرار، حيث يمكن أن تؤدي الإشارات الخاطئة إلى حظر عملاء شرعيين، في حين قد يُغض الطرف عن عمليات احتيالية فعلية في حال التساهل.
لذا، بدأت البنوك الرائدة في الكويت بتبني نماذج هجينة، حيث تقدم التكنولوجيا توصيات، لكن القرار النهائي يُتخذ من قبل المحققين. ويسهم هذا النموذج في تحقيق التوازن بين سرعة الاستجابة ودقة التقدير.
رغم وجود قوانين قوية وتقنيات حديثة، تواجه الكويت تحديات فريدة تُبطئ من التقدم وتفتح ثغرات أمام الاحتيال.
تُشكّل العلاقات الشخصية والعائلية عنصرًا أساسيًا في الكثير من التعاملات التجارية في الكويت. ورغم أن هذه الثقة تعزز الروابط، إلا أنها تُعقّد اكتشاف الاحتيال، وذلك لأسباب عدة:
لذا، يجب أن تُنفذ مكافحة الاحتيال في الكويت بحساسية ثقافية، عبر بناء الثقة وتعزيز الشفافية في آنٍ واحد.
تميل البنوك والمؤسسات المالية إلى الاحتفاظ ببيانات الاحتيال وغسيل الأموال في أنظمة منفصلة، كما أن تبادل البيانات بين المؤسسات لا يزال محدودًا، مما يُضعف القدرة على اكتشاف أنماط احتيال واسعة النطاق. ويؤدي هذا النهج المجزأ إلى:
يشهد القطاع المالي في الكويت نموًا سريعًا في الخدمات المصرفية الرقمية والتقنيات المالية. ورغم ما توفره من راحة وسرعة، إلا أن هذا التوسع يفتح ثغرات جديدة أمام المحتالين، منها:
لذا، ينبغي أن تواكب جهود مكافحة الاحتيال في الكويت هذه التطورات الرقمية، وأن تستبق المخاطر قبل أن تتفاقم.
يتوقع العملاء خدمات مصرفية سريعة وسلسة، إلا أن وجود عدد مفرط من ضوابط الاحتيال قد يؤدي إلى الإحباط، ويحث البعض على تجاوز إجراءات الأمان. لهذا، يجب أن تحقق مكافحة الاحتيال في الكويت توازنًا دقيقًا بين حماية العملاء والحفاظ على تجربتهم المصرفية المريحة.
تُوفر منصة فوكال حماية فورية من الاحتيال من خلال تحليل الأجهزة ومراقبة المعاملات بذكاء. حيث تعتمد التقنية على كشف الأجهزة المشبوهة، وتتبّع البصمات الرقمية الفريدة، ومراقبة العمليات باستخدام الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الاحتيال بسرعة ودقة.
وتُسهم منصة فوكال في تقليل الإنذارات الكاذبة، وإيقاف الاحتيال في مراحله المبكرة، والتكيّف مع التهديدات الجديدة، وكل ذلك ضمن منظومة تتكامل بسهولة مع الأنظمة القائمة، دون التأثير سلبًا على تجربة العميل. لهذا، تُعد فوكال أداة فعّالة ومتكاملة لمكافحة الاحتيال في قطاع الخدمات المصرفية الرقمية المتسارع في الكويت.