لا يمكن أن تكون عملية اعرف عميلك (KYC) الأولية وحدها كافية للتصدي لمشكلة الاحتيال المتزايدة، حيث أن هذه العملية تركز بشكل أساسي على التحقق من هوية العميل عند الانضمام إلى الخدمة أو المؤسسة، لكنها تعد فقط خطوة أولى في دورة حياة العميل. يتعين على الشركات أن تتبنى أساليب حماية شاملة خلال كافة مراحل دورة حياة العميل، وهنا يظهر دور إعادة التحقق. ولكن ما هي عملية إعادة التحقق، ولماذا تعد ضرورية؟ دعونا نستعرض ذلك بالتفصيل.
تعد عملية إعادة التحقق جزءًا أساسيًا من عملية العناية الواجبة المستمرة للعملاء، وكما يوحي اسمها، تُجرى إعادة التحقق بعد التحقق الأولي الذي يتم في إطار عملية اعرف عميلك. في معظم الأحيان، تأتي هذه العملية لتأكيد صحة معلومات الهوية التي تم جمعها سابقًا، وقد تكون ضرورية في حال طرأت تغييرات على الشركة أو العميل نفسه، ويتمثل الهدف من هذه العملية في ضمان استمرارية التوافق بين المعلومات المتاحة والهوية الفعلية للعميل.
تتنوع عمليات إعادة التحقق لتشمل عددًا من الفحوصات والإجراءات المختلفة مثل إعادة التحقق من العميل، والتي تهدف جميعها إلى ضمان دقة المعلومات المقدمة من العميل، والحد من المخاطر المرتبطة بها، وتتضمن هذه الأنواع ما يلي:
غالبًا ما يتم استخدام مصطلحي التحقق من الهوية وإعادة التحقق بشكل متبادل، حيث يتعلق الأمر بتأكيد هوية العملاء باستخدام وثائق متنوعة مثل جوازات السفر، أو رخص القيادة، أو أي وثيقة رسمية أخرى. أما إعادة التحقق في هذا السياق، فتهدف إلى التأكد من أن الهوية الموثقة لا تزال صالحة ومطابقة للواقع مع مرور الوقت.
لا تقتصر عملية إعادة التحقق على وثائق الهوية فقط، بل تشمل أيضًا التحقق الدوري من مستندات أخرى مثل إثبات العنوان، وإثبات الدخل، وإثبات العمل. يتم هذا النوع من الفحوصات للتأكد من أن تفاصيل الاتصال والمعلومات الأساسية للعميل ما زالت دقيقة ومحدثة.
على المؤسسات المالية والبنوك أن تقوم بانتظام بتحديث معلومات الاتصال الخاصة بعملائها، مثل العناوين وأرقام الهواتف والبريد الإلكتروني، حيث يُعد هذا التحديث جزءًا لا يتجزأ من عملية إعادة التحقق، كما أن هذا الإجراء يتيح اكتشاف الأنشطة الاحتيالية ومنعها بشكل فعال، إذ يتم التحقق من دقة وصحة هذه المعلومات بانتظام.
يحتاج العملاء من الشركات إلى مستوى إضافي من إعادة التحقق، حيث يجب التحقق بشكل دوري من المعلومات المتعلقة بالشركات، ومراقبة أي تغييرات تحدث في الملكية أو الهيكل الإداري أو الموظفين الرئيسيين.
عند إعادة تقييم أو التحقق من مصدر الأموال أو الثروة لدى العميل بانتظام، تتمكن المؤسسات من اكتشاف أي تناقضات أو أنشطة مشبوهة قد تشير إلى غسيل الأموال. لذا، من الضروري التأكد دائمًا من أن مصادر الأموال تتوافق مع الأنشطة المالية المعلنة والمتوقعة، مما يعزز المصداقية ويحد من المخاطر المرتبطة بالاحتيال المالي.
من أجل الكشف المبكر عن الأنشطة المشبوهة واتخاذ إجراءات تخفيفية في الوقت المناسب، يجب إجراء فحص دوري ومستمر لتاريخ معاملات العملاء، إذ أن المراقبة المستمرة تساعد في تحديد أي سلوك غير طبيعي يمكن أن يكون مؤشرا على نشاط غير مشروع.
تتغير الظروف على مر الزمن، ويتغير معها مستوى المخاطر المرتبطة بالعملاء، فقد يبدأ أحد العملاء بتصنيف مخاطر منخفضة عند الانضمام، لكن مع مرور الوقت قد تطرأ تغييرات تستدعي رفع مستوى تقييم المخاطر الخاص به. لذا، يصبح من الضروري إعادة تقييم ملف العميل أو إعادة التحقق من العميل بانتظام استنادًا إلى المعلومات الجديدة المتاحة.
من المهم مواكبة التحديثات المستمرة على قوائم العقوبات، والقوائم المشبوهة، والأشخاص السياسيين ممثلي المخاطر (PEP)، إضافة إلى التقارير الإعلامية السلبية. ينبغي أن تكون المؤسسات على اطلاع دائم على هذه التحديثات، وأن تقوم بمراجعة تقارير العملاء بانتظام لضمان امتثالها لأحدث المعلومات.
نستعرض فيما يلي 5 أمثلة وحالات تتطلب إعادة التحقق:
إذا قام أحد العملاء بتنفيذ إجراء يُعد عالي المخاطر، مثل إيداع مبلغ كبير بشكل غير اعتيادي (على سبيل المثال، إذا كان العميل يودع عادةً بحد أقصى 500 دولار شهريًا، ثم فجأة أودع 9800 دولار)، فقد تكون إعادة التحقق ضرورية لتقليل مخاطر غسيل الأموال أو الاحتيال. يستدعي هذا التغيير في سلوك العميل فحصًا دقيقًا لضمان توافق هذه المعاملة مع الأنشطة المعتادة للعميل.
في حال إعادة تفعيل حساب كان غير نشط لفترة طويلة، فإن هذا يتطلب إعادة التحقق من هوية صاحب الحساب، وذلك لمنع أي محاولات استيلاء على الحساب أو تنفيذ أنشطة احتيالية، إذ تضمن إعادة التحقق في هذه الحالة أن الشخص الذي يعيد تفعيل الحساب هو المالك الفعلي.
إذا كان العميل يسجل الدخول عادةً من موقع جغرافي معين، مثل المملكة العربية السعودية، ومن ثم تم تسجيل دخول من عنوان IP مشبوه أو موقع غير مألوف، فقد يشير ذلك إلى احتمال وجود وصول غير مصرح به إلى الحساب. لذا، يتطلب هذا الحدث إجراء إعادة التحقق لضمان شرعية محاولات الدخول والتحقق من هوية المستخدم.
عند وقوع حوادث اختراق للبيانات أو عمليات احتيال، تقتضي البروتوكولات الأمنية إعادة التحقق من هويات المستخدمين المتأثرين، بهدف الكشف عن الأنشطة الاحتيالية المحتملة ومنعها.
تتغير قوانين ولوائح مكافحة غسل الأموال (AML) وإجراءات اعرف عميلك (KYC) بشكل دوري، مما يفرض على المؤسسات المالية إعادة التحقق بانتظام لضمان الامتثال للمعايير الجديدة. تشمل هذه العملية مراجعة دقيقة لهويات العملاء ومقارنتها مع قوائم المراقبة. ومن خلال هذا النهج، تستطيع المؤسسات اكتشاف أي تغييرات مشبوهة في ملفات العملاء، مما يضمن سلامة العمليات المالية.
لا تقتصر عملية إعادة التحقق على القطاع المالي فحسب، بل تحمل أهمية كبيرة فيه، إذ تتيح للمؤسسات المالية التأكد من تحديث وصحة معلومات العملاء بشكل دوري ومنتظم، مما يساعد في الحفاظ على دقة السجلات والامتثال للمعايير التنظيمية، وتشمل الفوائد ما يلي:
1. سلامة البيانات ودقتها، مما يتيح اتخاذ قرارات موثوقة والامتثال للتنظيمات.
2. تعزيز الأمان، من خلال الكشف عن الأنشطة المشبوهة بسرعة والقدرة على التصدي لها.
3. الامتثال التنظيمي، خاصة فيما يتعلق بالعناية الواجبة وإجراءات اعرف عميلك.
4. مراقبة نشاط الحساب، مما يسمح بالكشف عن أي أنشطة غير عادية بشكل فوري.
5. إدارة علاقات العملاء، وتقديم خدمات مخصصة تعتمد على احتياجاتهم ومستويات المخاطر المرتبطة بهم.
6. العناية الواجبة المعززة، خصوصًا مع العملاء ذوي المخاطر العالية.
تواجه عملية إعادة التحقق عدة تحديات، تختلف حسب الصناعة والمتطلبات التنظيمية وظروف كل شركةK ومن بين هذه التحديات:
عندما تفشل عملية إعادة التحقق، قد تكون لذلك عواقب خطيرة تختلف بناءً على السياق والصناعة، ومن بين النتائج المحتملة:
1. تعليق أو إغلاق الحساب.
2. تقييد الوصول إلى الخدمات.
3. زيادة الرقابة والمراقبة.
4. تضرر الثقة والسمعة.
5. تداعيات قانونية وتنظيمية.
6. استياء العملاء وزيادة معدلات مغادرتهم.
7. مخاطر سرقة الهوية والاحتيال.
توفر عملية إعادة التحقق العديد من الفوائد للبنوك والأعمال التجارية، ومن بينها:
1. تعزيز الأمان، حيث تقلل إعادة التحقق من مخاطر الاحتيال من خلال ضمان دقة المعلومات.
2. الامتثال التنظيمي، حيث يضمن تحديث المعلومات بشكل دوري الامتثال للقوانين.
3. الكشف عن الاحتيال، من خلال اكتشاف ومنع الأنشطة الاحتيالية بشكل فعال.
4. تعزيز الثقة، إذ يساعد الالتزام بالأمان على بناء الثقة لدى العملاء.
5. تحسين الكفاءة، من خلال أتمتة العمليات وتقليل الجهود اليدوية.
6. القدرة على التكيف، مما يتيح للشركات مواكبة التغيرات في ظروف العملاء.
في الختام، تعد عملية إعادة التحقق أمرًا ضروريًا للشركات والبنوك والمؤسسات المالية الأخرى لضمان تحديث معلومات العملاء والامتثال التنظيمي، فهي تتيح الحفاظ على أمان العمليات وكشف الأنشطة المشبوهة، كما تعزز الثقة بين العملاء وتحسن الكفاءة.