قد كشفت بيانات شبكة مكافحة الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية، المعروفة اختصاراً بـ "فينسين" (FinCEN)، عن ارتفاع لافت في ظاهرة الاحتيال بالشيكات، إذ قدّمت المؤسسات المالية في عام 2022 أكثر من 680,000 تقرير عن نشاط مشبوه متعلق بالاحتيال بالشيكات، أي ما يزيد على ضعف عدد التقارير المقدّمة في العام السابق.
يعكس هذا الاتجاه المتصاعد حاجة ملحّة إلى اعتماد تدابير وقائية استباقية، إلى جانب تطوير آليات استخباراتية استراتيجية على امتداد القطاع المالي، حيث يُعدّ فهم تعريف الاحتيال بالشيكات أمراً أساسياً لضمان توحيد آليات التصنيف والإبلاغ والملاحقة القضائية. كما يوجّه هذا الفهم فرق الامتثال نحو وضع سياسات داخلية دقيقة، تعالج الحوادث الفردية والمخططات الاحتيالية واسعة النطاق على حد سواء.
يُعرَّف الاحتيال بالشيكات بأنه سلوك احتيالي ينطوي على استخدام غير مشروع، أو تلاعب، أو تزوير في الشيكات، وذلك بهدف الاستيلاء على أموال بطرق غير قانونية.
ينبغي لمن يتناول هذا الموضوع أن يدرك بعمق آلياته الإجرامية والإطارات التنظيمية التي تُعنى بمكافحته، حيث تعتمد المؤسسات المالية على مزيج من ضوابط مكافحة غسل الأموال، وأنظمة كشف الاحتيال، إلى جانب مراجعات يدوية دقيقة، لرصد الأنماط والسلوكيات التي تتّسم بالاحتيال.
عندما ترصد المؤسسات مؤشرات لاحتمال وقوع احتيال، فإنها تُطلق آليات التحقيق، إذ تشارك في هذه العملية عادة جهات إنفاذ القانون، مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، والخدمة السرية الأمريكية، وهيئة التفتيش البريدي. كما تضطلع الجهات الرسمية في دول مجلس التعاون الخليجي، مثل إدارات مكافحة الجرائم الإلكترونية التابعة لوزارات الداخلية، ووحدات الاستخبارات المالية، والجهات الرقابية للبنوك المركزية، بأدوار رئيسية في إجراء التحقيقات وتنفيذ الأحكام.
على سبيل المثال، يتيح كل من قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في المملكة العربية السعودية، للسلطات المختصة ملاحقة قضايا الاحتيال الرقمي بأساليب متقدمة وفعّالة.
تُظهر نتائج هذه التحقيقات تنوّعاً كبيراً في الأساليب الاحتيالية، حيث تشمل سرقة البريد، وانتحال الهوية، واستخدام الشيكات المسروقة أو المعدّلة ضمن شبكات إجرامية معقّدة.
تبدأ غالبية هذه المخططات بسرقة الشيكات، سواء من صناديق البريد، أو من مقار الشركات، أو من أنظمة طباعة تعرّضت للاختراق، ثم يُجري المحتالون عمليات تعديل أو استنساخ للشيكات. بعد ذلك، يستغلون قنوات الإيداع المتنوعة، مثل أجهزة الصرّاف الآلي، وتطبيقات الهواتف الذكية، أو من خلال ما يُعرف بالحسابات الوسيطة، حيث تُستخدم هذه الحسابات لنقل الأموال بطريقة تموّه هوية الجناة. كما يعتمد المحتالون على التوقيت المناسب لتفادي الانكشاف خلال فترة معالجة الشيك. وفي المخططات الأكثر تعقيداً، يُجنَّد عدد من الأفراد لتشتيت مسارات التتبع، مما يصعّب من عمليات التعرّف على المتورطين واستعادة الأموال.
وتتداخل هذه الأساليب كثيراً مع عمليات تزوير الشيكات، والتي تشمل توقيعات أو تصديقات غير مصرح بها، تُضاف إلى شيكات مسروقة أو بيضاء. وتعكس هذه الأساليب مجتمعةً فهماً دقيقاً للبنية التشغيلية للنظام المصرفي، حيث تُنقل هذه المعارف بين أفراد الشبكات الإجرامية، مما يزيد من تعقيد عمليات الكشف والملاحقة.
اقرأ أيضا: ما هو احتيال الشراء الآن والدفع لاحقًا؟ الأنواع والحلول
تُشكّل أنواع الاحتيال بالشيكات تحديات متباينة أمام البنوك والجهات التحقيقية، إذ تختلف في أساليبها وأدواتها، مما يستدعي التمييز الدقيق بينها لضمان الكشف المبكر والوقاية الفعّالة. ومن أبرز هذه الأنواع:
اقرأ المزيد: مكافحة غسل الأموال في الأردن - نظرة عامة على القوانين والعقوبات
رغم تراجع استخدام الشيكات تدريجياً، إلا أن حالات الاحتيال المرتبطة بها شهدت زيادة تقارب 12%، حيث سُجّل في عام 2023 أعلى معدل ارتفاع سنوي في هذا النوع من الجرائم.
فيما يلي بعض الأمثلة:
عند الاشتباه في وقوع احتيال بالشيكات، تباشر البنوك عادة الإجراءات الأولية، سواء من خلال بلاغ يقدّمه العميل أو نتيجة تنبيه داخلي لرصد نشاط غير اعتيادي. فعلى سبيل المثال، يُعد إيداع عدة شيكات وسحب الأموال سريعاً مؤشراً على الاحتيال، خاصة إذا ارتدت تلك الشيكات لاحقاً.
تقوم فرق مكافحة الاحتيال داخل البنوك بتحليل حركة الحسابات، ومقارنتها بالسلوك المعتاد للعميل، مع التركيز على مؤشرات مثل تعديل صور الشيكات، أو تكرار إيداع الشيك نفسه، أو استخدام دفاتر شيكات مسروقة. وتُسهم هذه الخطوات الأولية في تحديد ما إذا كانت الحالة عارضة أم جزءاً من نمط احتيالي أوسع.
اقرأ المزيد: الاحتيال في بطاقات الائتمان الافتراضية: مخاطره وكيفية منعه
تعتمد البنوك على عدة أدوات تقنية للتحقيق في الاحتيال المرتبط بالشيكات، وإذا تبيّن أن الحالة خطيرة، يتم إشراك الجهات الأمنية المختصة.
اقرأ المزيد: الاحتيال في الحساب الجديد: العلامات الحمراء وطرق الوقاية
تلتزم البنوك قانونياً وتنظيمياً بالتحقيق في بلاغات الاحتيال، وتأمين أموال العملاء، وإبلاغ الجهات المختصة بالحالات الخطيرة. وعندما يقع العميل ضحية للاحتيال بالشيكات، يتعيّن على البنك مراجعة القضية، تجميد الحسابات المعنية، والمساعدة في استرداد الأموال المسروقة.
إلا أن للعميل أيضاً دوراً مهماً، إذ أن التأخر في الإبلاغ عن شيك مزور قد يحول دون استرداد الخسائر بالكامل. لذا يُنصح بمراقبة الحسابات بشكل منتظم والإبلاغ عن أي نشاط مريب فوراً.
تستطيع البنوك كشف الاحتيال من خلال رصد مؤشرات مثل:
للكشف عن الشيكات الاحتيالية، تعتمد المؤسسات المصرفية على:
تشمل الإجراءات الوقائية التي ينبغي على البنوك تطبيقها:
ينبغي توعية العملاء بضرورة:
يُشكّل الاحتيال بالشيكات خطرًا مستمرًا يهدد المؤسسات المصرفية وعملاءها، حيث يُعد الإلمام بآليات هذا النوع من الاحتيال، إلى جانب التمييز بين أنواعه الشائعة، خطوة حاسمة للتمكن من كشفه مبكرًا والحد من انتشاره. كما تُسهم الإجراءات التحقيقية والتشريعات القانونية في محاسبة مرتكبي هذه الجرائم وإخضاعهم للمساءلة.
تلتزم المؤسسات المالية باستخدام التكنولوجيا المتطورة، وتطبيق ضوابط صارمة، فضلًا عن تأهيل الكوادر للتصدي لمحاولات الاحتيال بفاعلية. كما أن تثقيف العملاء يلعب دورًا محوريًا في تقليل فرص تعرضهم للمخاطر. لذا، فإن الحفاظ على اليقظة والاستعداد يُمثلان أفضل وسائل الحماية ضد الاحتيال بالشيكات، ويُسهمان في دعم أمن واستقرار النظام المالي.
يُعرّف القانون، سواء على المستوى المحلي أو الفيدرالي، الاحتيال بالشيكات بأنه أي سلوك متعمد يهدف إلى إصدار أو تعديل أو تقديم شيك بغرض الخداع، وذلك للحصول على أموال بطرق غير مشروعة.
وتندرج ضمن هذا التعريف ممارسات مثل تدوير الشيكات (استغلال الفارق الزمني بين الإيداع والتسوية)، وتزوير توقيع المُصدر، أو صرف أدوات مالية مسروقة. وتتنوع هذه الحالات ما بين أعمال فردية وصولًا إلى مخططات مُنظمة تديرها شبكات تستغل الثغرات البنكية على نطاق واسع.
عند الاشتباه بأنك تعرضت للاحتيال عبر الشيكات، ينبغي أن تبادر فورًا بالتواصل مع مصرفك. كما يُستحسن تقديم بلاغ رسمي إلى الجهات الأمنية أو الهيئات المختصة بمكافحة الاحتيال. احرص على الاحتفاظ بجميع المستندات المرتبطة بالقضية، وراقب حساباتك المصرفية لرصد أي نشاط غير معتاد قد يُشير إلى محاولات احتيال إضافية.
يُصنف الاحتيال بالشيكات، في العديد من الدول، كجريمة خطيرة، خصوصًا عندما يتضمن مبالغ مالية كبيرة، أو يتكرر على نحو منظم، أو يكون جزءًا من عملية إجرامية جماعية. ورغم اختلاف القوانين والعقوبات من دولة لأخرى، إلا أن معظم الحالات الجسيمة تُعامل بوصفها جنايات أو جرائم من الفئة العالية، وتُعاقب بعقوبات صارمة تشمل السجن لفترات طويلة وغرامات مالية باهظة.
أما الحالات البسيطة، مثل المخالفات لأول مرة أو التي لا تتضمن مبالغ كبيرة، فقد تُعامل كمخالفات جنحية، إلا أن الجرائم المتكررة والمتعمدة عادة ما تُواجه بإجراءات قانونية حازمة نظرًا لما تُلحقه من ضرر بالمؤسسات المالية والأفراد.