يحتاج الأردن، الذي يقع في موقع استراتيجي بالغ الأهمية في قلب منطقة الشرق الأوسط، إلى تبني ممارسات فعّالة وقوية لمكافحة غسيل الأموال، وذلك للحفاظ على استقرار اقتصاده وتعزيز الثقة العالمية في قطاعه المالي. كما هو الحال في دول أخرى، يواجه القطاع المالي الأردني تحديات معقدة تتعلق بممارسات غسيل الأموال المتطورة والمتجددة.
نظرًا للتغيرات المستمرة في أساليب غسيل الأموال، فإن مكافحة هذا النوع من الجرائم في الأردن تُعد ضرورة حتمية، إذ يجب أن تتماشى مع المعايير الدولية السارية.
الإطار القانوني لمكافحة غسيل الأموال في الأردن
يُظهر قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 46 لسنة 2007 التزام الأردن العميق والمستمر بالمعايير العالمية لمكافحة غسيل الأموال. يُعد هذا القانون بمثابة الأساس القانوني لمكافحة هذه الظاهرة في المملكة.
ومع تزايد تطور أساليب غسيل الأموال، تفرض الضرورة على الدول والهيئات الحكومية تحديث قوانينها وأنظمتها باستمرار لمواكبة الجرائم المالية المستجدة. ولذا، فقد تم تعديل قانون مكافحة غسيل الأموال في الأردن عدة مرات، بهدف جعله أكثر فعالية في مواجهة الجرائم المالية الحديثة، وللتوافق مع أحدث توصيات مجموعة العمل المالي (FATF).
وهذا يعني أن الأردن يبذل جهدًا مستمرًا للتعامل مع المخاطر الجديدة وضمان التزامه بالمعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال.
الهيئات الرقابية والإشرافية في الأردن
يشكل الإطار التشريعي لمكافحة غسيل الأموال في الأردن مجموعة من الهيئات الرئيسية التي تشرف على تنفيذ وتنظيم هذا المجال. وتتولى هذه الهيئات مسؤوليات متعددة في إطار جهود المملكة لمكافحة غسيل الأموال:
- البنك المركزي الأردني (CBJ): يُعد البنك المركزي الأردني الجهة التنظيمية المالية الرئيسية في المملكة. ويعمل على ضمان التزام البنوك والمؤسسات المالية بممارسات مكافحة غسيل الأموال، كما يتعاون مع الهيئات المالية العالمية لتأمين النظام المالي الوطني والحفاظ على استقراره.
- وزارة الصناعة والتجارة والتموين: تشمل مسؤوليات هذه الوزارة الرقابة على القطاعات غير المالية مثل العقارات والتجارة، وذلك في إطار مكافحة غسيل الأموال.
متطلبات الامتثال لمكافحة غسيل الأموال للمؤسسات المالية
قانون مكافحة غسيل الأموال (AML/CFT) رقم 46 لسنة 2007:
- تفاصيل القانون: يُعد هذا القانون الأساس الذي يُستند إليه في إطار مكافحة غسيل الأموال في الأردن. تم تعديله في عام 2018 لتحسين فعاليته ولتتواءم أحكامه مع المعايير الدولية. يُلزم القانون المؤسسات المالية باتخاذ تدابير شاملة لمكافحة غسيل الأموال، مثل العناية الواجبة بالعملاء، والإبلاغ عن المعاملات المشبوهة، والاحتفاظ بالسجلات. كما يتضمن تدابير لمكافحة تمويل الإرهاب.
يفرض القانون على المؤسسات المالية الإبلاغ عن أي معاملة تتجاوز 10,000 دينار أردني أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية إلى وحدة مكافحة غسيل الأموال، مما يعزز الشفافية ويقلل من فرص التلاعب المالي.
- العناية الواجبة بالعملاء (CDD): تلتزم البنوك والمؤسسات المالية بالتحقق بعناية من هوية عملائها، ويتضمن ذلك جمع التفاصيل الشخصية ومراجعتها لتحديد مستوى المخاطر المحتملة المرتبطة بكل عميل.
- التزامات الإبلاغ: يُلزم القانون المؤسسات المالية بالإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة عبر تقارير المعاملات المشبوهة (STRs). كما يجب عليها الإبلاغ عن المعاملات الكبيرة إلى وحدة مكافحة غسيل الأموال لضمان الشفافية والمراقبة الدقيقة.
- حفظ السجلات: يتعين على المؤسسات المالية الاحتفاظ بسجلات مفصلة لجميع المعاملات والتفاعلات مع العملاء لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وذلك لضمان التتبع الدقيق للأنشطة المالية.
- الرقابة الداخلية وإدارة المخاطر: يتوجب على المؤسسات المالية إنشاء ضوابط داخلية قوية لإدارة المخاطر بناءً على الاكتشافات والتحليلات، بما في ذلك تدريب الموظفين بشكل دوري وإجراء فحوصات مستقلة لضمان الالتزام بالقوانين المعمول بها.
إصلاحات تشريعية وتمويلية تخرج الأردن من قائمة المراقبة
اعتبارًا من 27 أكتوبر 2023، تم شطب الأردن من قائمة مجموعة العمل المالي (FATF) للولايات القضائية التي تخضع للمراقبة المتزايدة، وذلك بفضل التقدم الكبير الذي أحرزه في معالجة أوجه القصور السابقة في مجالات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
لقد حقق الأردن تقدمًا ملحوظًا في تحسين تدابير مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT)، حيث تشمل الإنجازات الرئيسية ما يلي:
- تعزيز تقييمات المخاطر: أكمل الأردن وأعلن تقييمات المخاطر الخاصة بالأشخاص القانونيين والأصول الافتراضية، مما يعكس الجهود المبذولة في تحديد وتحليل المخاطر بشكل أكثر دقة.
- تعزيز الإشراف: تم تعزيز الإشراف القائم على تقييم المخاطر، مع تكثيف التدريب للمؤسسات المالية والأعمال غير المالية المعينة (DNFBPs) لضمان التزام الجميع بالقوانين.
- التحقيق والمقاضاة: حقق الأردن تقدمًا في متابعة قضايا غسيل الأموال، ورفع كفاءة النظام الخاص بالعقوبات والمصادرة لضمان تطبيق العدالة بشكل فعال.
- الإطار القانوني: طوّر الأردن إطارًا قانونيًا قويًا لفرض العقوبات المالية المستهدفة وأصبح أكثر فعالية في مراقبة المنظمات غير الربحية (NPOs) لضمان عدم استغلالها لأغراض غير قانونية.
إن شطب الأردن من قائمة المراقبة المتزايدة يُعد بمثابة اعتراف بنجاحه في معالجة القضايا التي طرحتها مجموعة العمل المالي، وتأكيدًا على تحسن نظامه لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
قائمة الاتحاد الأوروبي للدول عالية المخاطر
في 7 فبراير 2024، تم شطب الأردن أيضًا من قائمة الاتحاد الأوروبي للدول عالية المخاطر، مما يُظهر تقدير الاتحاد الأوروبي لتقدم الأردن في الامتثال للمعايير المالية الدولية.
الامتثال لتوصيات مجموعة العمل المالي (FATF)
وفقًا لتقرير التقييم المتبادل لعام 2022، جاء امتثال الأردن لمعايير مجموعة العمل المالي على النحو التالي:
- متوافق إلى حد كبير: 24 توصية
وبناءً على ذلك، لا توجد حاليًا أي عقوبات دولية مفروضة على الأردن، مما يعكس التزامه الثابت بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وتحقيق المعايير الدولية في هذا المجال.
مخاطر غسيل الأموال في الأردن
يواجه الأردن، كما هو الحال مع العديد من الدول الأخرى، مخاطر غسيل أموال تنفرد بها، تتشكل بفعل ظروف اقتصاده، وتشريعاته، وموقعه الجغرافي.
- قطاع العقارات: يُعد سوق العقارات في الأردن من أبرز مصادر مخاطر غسيل الأموال. إن المعاملات العقارية ذات القيمة العالية، بالإضافة إلى بعض أوجه النقص في الشفافية، تجعل من السهل استخدام صفقات العقارات لإخفاء الأموال غير المشروعة. يمكن أن تُخفي المبالغ الكبيرة التي تتداول في صفقات العقارات مصدر الأموال الحقيقي. وفي بعض الحالات، قد يكون من الصعب تحديد من هو المالك الفعلي للعقار، مما يسهل عمليات غسيل الأموال.
- القطاع المالي غير الرسمي: يُمثل النظام المالي غير الرسمي، مثل الحوالة، مصدرًا آخرًا للمخاطر. الحوالة هي طريقة تقليدية لتحويل الأموال تحظى بشعبية في الأردن والمناطق المجاورة. ورغم أنها تُساعد الأشخاص الذين لا يستطيعون الوصول إلى البنوك التقليدية، فإنها في الوقت ذاته قد تُستخدم لغسيل الأموال، لكونها لا تخضع لرقابة مشددة.
- الموقع الجغرافي: يجعل الموقع الجغرافي للأردن، بما في ذلك حدوده الممتدة والصراعات الإقليمية المجاورة، من البلاد عرضة للتهريب الذي يمكن أن يرتبط بغسيل الأموال. وقد تسهم القضايا الإقليمية المستمرة في تفاقم هذه الأنشطة غير المشروعة، مما يزيد من مخاطر غسيل الأموال في الأردن.
العقوبات على عدم الامتثال لقوانين مكافحة غسيل الأموال في الأردن
تتسم العقوبات في الأردن على انتهاك قوانين مكافحة غسيل الأموال بالشدة، حيث تتراوح بين غرامات مالية ضخمة وأحكام بالسجن. وتختلف الغرامات المفروضة على عدم الامتثال حسب جسامة المخالفة، وقد تتراوح من آلاف إلى ملايين الدنانير الأردنية. وفي حالات المخالفات الجسيمة، قد تصل العقوبات إلى السجن لفترات قد تمتد إلى عشر سنوات أو أكثر. كما أن المؤسسات التي تتكرر منها المخالفات قد تتعرض لسحب أو تعليق تراخيصها، مما يوقف نشاطاتها حتى يتم استيفاء معايير الامتثال.
تشمل العقوبات تجميد الأصول، الملاحقة الجنائية، والعقوبات الإدارية. قد تواجه الكيانات غير الممتثلة أيضًا عقوبات مدنية، فضلاً عن إلغاء أهلية مديريها أو مسؤوليها. تشمل العقوبات الأخرى زيادة الرقابة، والتدقيق، والتعاون الدولي المحتمل أو التسليم إذا كانت المخالفات تؤثر على دول أخرى. تعكس هذه العقوبات التزام الأردن الصارم بالامتثال للمعايير الدولية في مواجهة الجرائم المالية.
حقّق امتثال مؤسستك المالية مع منصة فوكال
تسهم منصة فوكال المدعومة بالذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في تمكين المؤسسات المالية في الأردن من الامتثال بشكل فعال لمعايير وقوانين مكافحة غسل الأموال (AML)، وذلك من خلال توفير حلول مبتكرة وأتمتة العمليات التي تسهم في تعزيز الكفاءة التشغيلية وضمان الامتثال المستمر. وفيما يلي أبرز المزايا التي تقدمها المنصة:
- من خلال أتمتة عملية مراقبة المعاملات وفحصها، تتيح منصة فوكال للمؤسسات المالية الحد من مخاطر غسل الأموال بفعالية، مستفيدة من الحلول المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تسرع الإجراءات وتزيد من دقتها.
- تعزز المنصة الكفاءة التشغيلية من خلال توفير حلول تحقق متطورة تستند إلى مصادر بيانات موثوقة، مما يساهم في تعزيز الأمان وصحة المعلومات، ويسهل التحقق من هوية العملاء بدقة وكفاءة، مما يقلل من المخاطر ويزيد من مستويات الثقة في البيانات.
- تدعم منصة فوكال المؤسسات المالية في تحسين الامتثال من خلال أدوات تقييم مخاطر العملاء المعتمدة على بيانات دقيقة وموثوقة، مما يساعد في تحليل سلوك العملاء وتحديد المخاطر المحتملة بدقة متناهية، وبالتالي اتخاذ قرارات أكثر وعيًا وتناسبًا.
- تساعد المنصة في الكشف المبكر عن الكيانات ذات المخاطر العالية من خلال فحص مستمر يوميًا ضد أكثر من 1300 قائمة مراقبة تشمل العقوبات الدولية، الشخصيات السياسية البارزة (PEP)، الشركات المرتبطة بالأنشطة المشبوهة، ووسائل الإعلام السلبية، مما يعزز قدرة المؤسسات على اتخاذ إجراءات وقائية فاعلة.
- توفر المنصة تنبيهات فورية وتحديثات آنية بشأن التغيرات في النقاط أو عند بلوغ الحد المقرر، مما يتيح للمؤسسات المالية اتخاذ إجراءات سريعة استجابة للمخاطر المتغيرة، ويضمن استمرار الحماية ضد الممارسات المشبوهة.
- تقدم منصة فوكال مراقبة فورية للمعاملات المالية، مما يسمح بمنع التحويلات المالية إلى الكيانات المعاقبة أو ذات المخاطر العالية بشكل لحظي، وبالتالي ضمان سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية النظام المالي.
كلمة أخيرة
لقد حقق الأردن تقدمًا ملحوظًا في تعزيز قطاعه المالي من خلال تركيزه على مكافحة غسيل الأموال، وتنفيذ تدابير فعالة للامتثال للقوانين المتعلقة بذلك. إن التزام البلاد بالامتثال لمعايير مكافحة غسيل الأموال يتجسد في الإطار القانوني والتنظيمي الشامل، الذي يهدف إلى مكافحة الجرائم المالية وضمان التوافق مع المعايير الدولية.
إن التركيز على مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب يمثل جزءًا أساسيًا من النهج الأردني، حيث تعمل الحكومة عن كثب مع المؤسسات المالية لمنع الأنشطة المالية غير المشروعة. يحدد إطار مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في الأردن إرشادات واضحة للمؤسسات لاتباعها، مما يضمن اتخاذ تدابير امتثال فعالة لاكتشاف الأنشطة المشبوهة والإبلاغ عنها.