شهدت سلطنة عُمان تطورًا نوعيًا في منظومتها المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث عملت في السنوات الأخيرة على ترسيخ بنية تشريعية وتنظيمية متقدمة، تتسق مع أفضل الممارسات الدولية، وتراعي في الوقت ذاته طبيعة المخاطر المحلية ونقاط الضعف المحتملة.
كما فرض تصاعد الرقابة من قبل الجهات الدولية، مثل مجموعة العمل المالي ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على المتخصصين في الامتثال داخل السلطنة تحديًا مزدوجًا، إذ يوجب عليهم ضمان التزام مؤسساتهم بالمتطلبات التنظيمية المتجددة، والحفاظ على كفاءة الأداء التشغيلي في آنٍ واحد.
أصدر المشرّع العُماني المرسوم السلطاني رقم 30/2016 بوصفه الإطار القانوني الرئيسي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث جاء ليُلغي القانون السابق رقم 79/2010، ويوسّع في المقابل نطاق الالتزامات التي تقع على عاتق المؤسسات المالية، والأعمال والمهن غير المالية المحددة، والجهات الرقابية المختلفة.
وتتمثل أبرز الأحكام التي نص عليها القانون فيما يلي:
أصدر البنك المركزي العُماني، بوصفه السلطة الرقابية العليا على القطاع المالي، مجموعة من التعليمات والتعاميم الملزمة التي تهدف إلى تفسير وتطبيق أحكام المرسوم السلطاني رقم 30/2016 على المؤسسات المالية المرخصة.
ويتضمن الإطار التنظيمي الذي أعدّه البنك ما يلي:
كما يتولى البنك المركزي مهام الرقابة والإشراف على القطاع المالي والمصرفي، حيث يُجري عمليات تفتيش ميدانية، ويعتمد على منهجية قائمة على تحليل المخاطر في تقييم الامتثال المؤسسي.
أنشأ المشرّع العُماني المركز الوطني للمعلومات المالية بموجب المادة السادسة من المرسوم السلطاني رقم 30/2016، حيث يُعد هذا المركز الجهة المختصة بتلقي وتحليل المعلومات المالية المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويعمل تحت مظلة شرطة عُمان السلطانية، مع التمتع باستقلالية تنظيمية وعملياتية.
وتضم مهام المركز ما يلي:
كما يُشارك المركز في عضوية مجموعة إيغمونت، وهي شبكة عالمية لوحدات الاستخبارات المالية، مما يتيح له تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل آمن مع أكثر من 160 وحدة استخبارات مالية حول العالم.
تُبنى آلية الامتثال في سلطنة عُمان على نهج قائم على المخاطر، إذ يستند هذا المنهج إلى مجموعة من أدوات العناية الواجبة، والرصد، والإبلاغ، التي تُعد ضرورية ليس فقط للامتثال التنظيمي، بل أيضًا كوسائل فعّالة لإدارة المخاطر المؤسسية.
ألزم المشرّع العُماني، من خلال المادة 12 من المرسوم السلطاني رقم 30/2016، ووفقًا لتوجيهات البنك المركزي، المؤسسات المالية بتطبيق نهج قائم على المخاطر.
ويتطلب هذا النهج من المؤسسات ما يلي:
كما يجب على المؤسسات توثيق هذا النهج، وإعادة تقييمه بصورة دورية، ودمجه في منظومة إدارة المخاطر الشاملة.
نصت المواد 14 إلى 16 من المرسوم السلطاني رقم 30/2016 على ضرورة قيام المؤسسات المالية بتطبيق العناية الواجبة عند إنشاء العلاقة مع العميل، وخلال استمرار تلك العلاقة.
وتشمل متطلبات العناية الواجبة ما يلي:
وعند اكتشاف مؤشرات على ارتفاع مستوى المخاطر، يجب تطبيق العناية المعززة، التي تتضمن:
كما تلتزم المؤسسات بتطبيق العناية الواجبة في حالات معينة، منها:
تتحمل المؤسسات المالية مسؤولية تقديم تقارير المعاملات المشبوهة إلى المركز الوطني للمعلومات المالية، فور توافر مؤشرات على أن المعاملة قد تنطوي على:
ولا يُشترط حد أدنى لقيمة المعاملة لإلزام المؤسسة بالتبليغ، كما يُحظر منعًا باتًا تنبيه العميل إلى وجود بلاغ، وذلك تطبيقًا لما نصت عليه المادة 18 من القانون. كما يتعين على المؤسسات أن تضع آلية داخلية واضحة للإبلاغ، تتيح تصعيد الشكوك إلى مسؤول الإبلاغ، الذي يتولى تقديم التقرير إلى المركز الوطني.
فرض القانون العُماني الاحتفاظ بجميع السجلات المتعلقة بالعناية الواجبة والمعاملات المالية لمدة لا تقل عن عشر سنوات، ضمانًا لإمكانية الرجوع إليها عند الحاجة، ودعمًا لجهود التحقيق والتنفيذ.
ويشمل ذلك:
كما يجب أن تكون هذه السجلات متاحة للجهات الرقابية، بطريقة تسمح بإعادة بناء التسلسل الكامل للمعاملات المالية.
يجب على المؤسسات المالية وضع برامج تدريبية منتظمة وشاملة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تُخصص هذه البرامج للموظفين العاملين في أقسام الامتثال، وخدمة العملاء، والوحدات ذات الحساسية العالية.
ويتعين أن تتضمن هذه البرامج ما يلي:
كما تُعزز هذه الجهود بوجود ضوابط رقابية داخلية، تشمل:
في سلطنة عُمان، تشمل التزامات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب نطاقًا أوسع من القطاع المصرفي التقليدي، حيث تمتد إلى عدد من القطاعات المالية وغير المالية، وذلك وفقًا لما نصّت عليه المادة (3) من المرسوم السلطاني رقم 30/2016. وتشمل هذه الجهات ما يلي:
فرضت السلطات العُمانية، بموجب المواد من (25) إلى (32) من المرسوم السلطاني رقم 30/2016، مجموعة من العقوبات الجنائية والمدنية والإدارية على مخالفي قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تختلف العقوبات بحسب طبيعة المخالفة وجسامتها، وتشمل الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين على حد سواء.
وتتضمن أنواع العقوبات ما يلي:
كما تشمل العقوبات الموظفين والمديرين ومسؤولي الامتثال الذين يثبت تقصيرهم في أداء واجباتهم القانونية.
تعكس الأولويات الاستراتيجية التالية توقعات الجهات التنظيمية في سلطنة عُمان، كما تجسد أفضل الممارسات المعتمدة عالميًا في مجال الامتثال:
تمكّن منصة فوكال، المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، المؤسسات المالية من تعزيز قدراتها في مجال الامتثال لمتطلبات مكافحة غسل الأموال عبر حلول تقنية متقدمة.
حيث تتيح خاصية رصد المعاملات مراقبة الأنشطة المشبوهة في الوقت الفعلي، مما يساهم في تقليل الإنذارات الكاذبة، ويوفر تنبيهات دقيقة وفي الوقت المناسب.
كما تتيح أدوات العناية الواجبة بالعملاء (CDD) أتمتة عملية جمع والتحقق من بيانات العملاء، الأمر الذي يُسرّع إجراءات فتح الحسابات ويُعزز التوافق مع المعايير العالمية. وتساعد خاصية تصنيف مخاطر العملاء في تقييمهم وتصنيفهم بحسب مستوى الخطورة، بما يسمح بتوجيه جهود الامتثال بشكل أكثر كفاءة وفعالية. ومن خلال الاستفادة من منظومة منصة فوكال المتكاملة، تستطيع المؤسسات تعزيز الإطار التنظيمي لديها، ورفع كفاءتها التشغيلية، وحماية نفسها من الجرائم المالية.