في سعيها إلى تفادي الأخطاء، تبالغ بعض البنوك في الامتثال، حيث تتخذ إجراءات صارمة تتجاوز الحدود المطلوبة، مما يؤدي إلى حجب المعاملات التي يُشتبه في ارتباطها بجهات خاضعة للعقوبات، حتى وإن لم تكن كذلك، إذ يؤدي هذا التشدد المفرط إلى انتهاك القوانين الدولية، كما يعوق الوصول إلى الخدمات المالية الأساسية، بل ويمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها. لذا، فإن إيجاد التوازن بين الحذر المبرر وردود الفعل المفرطة يمثل تحديًا جوهريًا.
سنتعرف في هذا المقال على فحص العقوبات في القطاع المصرفي، والتحديات التي تواجهه، والآليات الفعالة للتعامل معه!
يُعد فحص العقوبات إجراءً رقابيًا ضروريًا تتبناه المؤسسات المالية، إذ يهدف إلى منعها من التعامل مع أفراد أو كيانات أو جهات تخضع لعقوبات دولية. كما يمثل هذا الفحص أحد أبرز الأدوات الدفاعية التي تحمي البنوك من التورط في الجرائم المالية، مثل غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والاحتيال، مما يضمن امتثالها للأنظمة القانونية، ويحافظ على استقرار النظام المالي العالمي.
يُتيح فحص العقوبات للبنوك إمكانية رصد المعاملات التي قد تكون مرتبطة بأشخاص أو مؤسسات مدرجة ضمن القوائم الرسمية الصادرة عن جهات رقابية، مثل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (UNSC)، وقائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي (EU Sanctions List)، ووزارة الخزانة البريطانية (HMT).
إضافة إلى ذلك، لا يُعد فحص العقوبات في القطاع المصرفي إجراءً يتم لمرة واحدة فقط، بل هو عملية متواصلة يجب تنفيذها في مراحل متعددة، ومنها:
ويرجع ذلك إلى أن العقوبات تتغير باستمرار، إذ تُضاف أسماء جديدة إلى القوائم، كما تفرض الحكومات قيودًا جديدة، بينما يسعى المجرمون إلى تطوير أساليب متجددة للتحايل على الأنظمة المصرفية.
يعد فحص العقوبات في القطاع المصرفي عملية حيوية تهدف إلى ضمان الامتثال لللوائح والقوانين الدولية، وذلك من خلال التحقق من أن المعاملات المصرفية لا تتعامل مع أفراد أو كيانات محظورة، مما يحمي البنوك من المخاطر القانونية والمالية ويعزز من استقرار النظام المالي العالمي.
تُلزم الحكومات والجهات التنظيمية، مثل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، ومجموعة العمل المالي (FATF)، والاتحاد الأوروبي، البنوك بإجراء عمليات فحص شاملة للعملاء والمعاملات لضمان الالتزام باللوائح القانونية. أما الإخفاق في الامتثال، فقد تكون عواقبه مكلفة للغاية.
على سبيل المثال، اضطرت BNP Paribas إلى دفع غرامة قدرها 8.9 مليار دولار نتيجة انتهاكها للعقوبات الأميركية، كما تكبدت Standard Chartered غرامة بلغت 1.1 مليار دولار بسبب تقصيرها في الامتثال، إذ لم تكن هذه مجرد مخالفات إجرائية بسيطة، بل كانت إخفاقات كارثية كلفت هذه المؤسسات مليارات الدولارات، وكان يمكن تفاديها من خلال الالتزام الصارم بمتطلبات فحص العقوبات.
لا تقتصر تداعيات عدم الامتثال على الغرامات المالية فحسب، بل تمتد لتشمل تأثيرات خطيرة على السمعة المصرفية، إذ تُعد الثقة التي يضعها العملاء والمستثمرون في البنك أحد أصوله الأكثر قيمة، بينما قد تؤدي أي خروقات قانونية إلى:
كما قد يتسبب ذلك في تحول البنك من مؤسسة مصرفية موثوقة إلى كيان يعاني من أزمة ثقة حادة تهدد استقراره واستمراريته.
تواجه البنوك العديد من المخاطر التي تستلزم تطبيق تدابير رقابية صارمة، حيث تشمل هذه المخاطر:
إذ يُساهم فحص العقوبات في الحد من هذه المخاطر، حيث يُمكن البنوك من تفادي التورط غير المقصود في تمويل الشبكات الإجرامية أو تسهيل غسل الأموال القذرة. كما أن غياب هذه الآلية الرقابية قد يؤدي إلى معالجة معاملات مرتبطة بأنشطة غير مشروعة، مثل غسل الأموال، أو الاتجار بالبشر، أو الجريمة المنظمة، مما يعرض البنك لعواقب قانونية جسيمة.
لا يقتصر الامتثال لقوانين العقوبات على حماية البنوك من الغرامات المالية، بل يُعد عنصرًا أساسيًا للحفاظ على إمكانية الوصول إلى النظام المالي العالمي، إذ قد يؤدي انتهاك قوانين العقوبات إلى حرمان البنك من تنفيذ المعاملات الدولية، أو إقامة علاقات مصرفية مراسلة، أو تحويل الأموال عبر الحدود.
وفي حال حدوث ذلك، قد تجد المؤسسة المصرفية نفسها معزولة عن النظام المالي العالمي، مما يهدد قدرتها على مواصلة عملياتها ويضعها أمام خطر الانهيار.
يواجه فحص العقوبات في القطاع المصرفي تحديات معقدة تتطلب من البنوك التعامل معها بكفاءة لضمان الامتثال والحد من المخاطر التشغيلية والقانونية.
تُعد معالجة الإنذارات الكاذبة والتجاهل الخاطئ من أكثر التحديات تعقيدًا، إذ تحدث الإنذارات الكاذبة عندما يتم تصنيف معاملات مشروعة على أنها مشبوهة، مما يؤدي إلى تأخير العمليات وفتح تحقيقات غير ضرورية. في المقابل، يحدث التجاهل الخاطئ عندما يفشل النظام في رصد كيان خاضع للعقوبات، مما يعرض البنك لمخاطر قانونية جسيمة ويؤثر على سمعته. لذا، يكمن التحدي في تحقيق التوازن بين الدقة وتجنب العوائق التشغيلية.
تعتمد الكيانات الخاضعة للعقوبات على إخفاء هوياتها باستخدام أسماء مستعارة، أو تهجئات مختلفة، أو حتى أنظمة كتابية متعددة. فعلى سبيل المثال، قد يكون من الصعب مطابقة اسم مكتوب باللغة العربية مع تحويله إلى الأبجدية اللاتينية، مما يزيد من احتمال حدوث أخطاء في الفحص. كما تؤدي عدم دقة بيانات العملاء أو نقصها إلى صعوبة تحديد الأسماء المشبوهة، مما قد يسفر عن إغفال تهديدات حقيقية أو إثارة إنذارات خاطئة تعطل العمليات المصرفية.
يلجأ بعض الأفراد والكيانات الخاضعة للعقوبات إلى الاحتماء خلف شبكات من الشركات الوهمية وهياكل الملكية المعقدة، مما يجعل تعقبهم أمرًا صعبًا عبر أنظمة الفحص التقليدية. لذا، تحتاج البنوك إلى تطبيق عمليات تدقيق معمّقة وتحليل متقدم للبيانات للكشف عن الروابط الخفية وتحديد المستفيدين الحقيقيين من هذه الكيانات.
تتغير قوائم العقوبات بشكل مستمر وفقًا للمتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية. فقد يتم تحديث قائمة العقوبات بين ليلة وضحاها، وإذا لم تكن أنظمة الفحص محدثة بشكل فوري، فقد يسمح البنك بمعالجة معاملات غير قانونية عن غير قصد، مما يؤدي إلى فرض غرامات صارمة وتداعيات قانونية كبيرة.
يُطالب العملاء بتنفيذ عمليات الدفع بسرعة فائقة، مما يفرض ضغوطًا على البنوك لتحقيق التوازن بين السرعة والامتثال لمتطلبات فحص العقوبات. فإذا لم تكن أنظمة الفحص مضبوطة بشكل دقيق، فقد تؤدي إلى إيقاف معاملات شرعية دون داعٍ، مما يعرقل العمليات المصرفية ويؤثر على رضا العملاء.
تمثل استخدام الأنظمة القديمة أو البيانات غير المحدثة أحد أكبر المخاطر في عمليات فحص العقوبات. فإذا اعتمد البنك على قوائم عقوبات قديمة أو خوارزميات غير دقيقة لمطابقة الأسماء، فإنه يخاطر بتمرير معاملات غير مشروعة. كما أن البرمجيات البطيئة أو غير المتوافقة مع التغيرات التنظيمية قد تؤثر سلبًا على الامتثال، مما يعرض البنك لغرامات مالية ضخمة.
لا تتفق الهيئات التنظيمية مثل الأمم المتحدة، ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، والاتحاد الأوروبي دائمًا على الكيانات التي يجب أن تخضع للعقوبات، كما قد تختلف معايير تصنيف العقوبات فيما بينها. فعلى سبيل المثال، خلال النزاعات الجيوسياسية، مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قد تصدر الجهات التنظيمية توجيهات متباينة، مما يزيد من صعوبة الامتثال. لذا، تحتاج البنوك إلى أنظمة ذكية قادرة على التعامل مع التناقضات التنظيمية وضمان الامتثال دون انتهاك أي من القوانين الدولية.
يُعد تحويل الأسماء من أنظمة كتابية غير لاتينية، مثل العربية، إلى الأبجدية اللاتينية من التحديات الجوهرية في فحص العقوبات، إذ قد يؤدي هذا التباين إلى عدم التطابق بين الأسماء الفعلية وتلك المدرجة في قوائم العقوبات، مما قد يتسبب إما في إغفال جهات خاضعة للعقوبات أو الإبلاغ عن كيانات بريئة عن طريق الخطأ. لذا، ينبغي على البنوك الاستثمار في تقنيات ذكاء اصطناعي متطورة وخوارزميات تحليل بيانات متقدمة لمعالجة هذه الإشكالية بكفاءة.
لضمان الامتثال والحد من المخاطر، يمكن للبنوك تحسين عمليات فحص العقوبات من خلال تبني الممارسات التالية:
1. تحديث قوائم العقوبات بانتظام لضمان دقة الفحص وامتثال الأنظمة للوائح التنظيمية الحديثة.
2. الاستثمار في تقنيات فحص متقدمة لتحسين كفاءة الكشف وتقليل الإنذارات الكاذبة.
3. تحسين جودة البيانات والحرص على دقتها واتساقها لضمان معالجة دقيقة لمعلومات العملاء والمعاملات.
4. توفير برامج تدريبية مستمرة للموظفين لتمكينهم من التعامل مع المخاطر المتجددة وأساليب التهرب من الرقابة.
5. إجراء عمليات تدقيق منتظمة للأنظمة لضمان الأداء الأمثل والكشف عن أي ثغرات محتملة.
6. استخدام تحليلات متقدمة للكشف عن المخاطر الخفية، مثل هياكل الملكية المعقدة أو الروابط غير المباشرة بالكيانات المشبوهة.
7. ضبط معايير الفحص وفقًا لمستوى المخاطر لضمان استهداف التهديدات الحقيقية وتقليل العوائق التشغيلية غير الضرورية.
8. إعادة تقييم جودة البيانات بشكل دوري لضمان فاعلية الحلول التقنية ومواءمتها مع التغيرات التنظيمية.
9. البقاء على اطلاع دائم على التغيرات في القوانين والعقوبات العالمية لضمان الامتثال المستمر.
10. دمج تقنيات متطورة لحل مشكلة تطابق الأسماء والتعرف على الكيانات للحد من الأخطاء وتعزيز كفاءة الفحص.
11. تطبيق أنظمة مراقبة فورية وإشعارات تنبيهية لحظية لضمان الاستجابة السريعة لأي أنشطة مشبوهة وتعزيز الامتثال في بيئة مالية دائمة التغير.
توفر منصة فوكال حلاً فعالًا ومتقدمًا لفحص العقوبات، مما يساعد البنوك على الامتثال بفعالية للوائح المتغيرة والمستحدثة. تعتمد المنصة على تقنيات الذكاء الاصطناعي لفحص المعاملات وبيانات العملاء في الوقت الفعلي، مما يضمن دقة النتائج ويقلل من الإنذارات الكاذبة بنسبة تزيد على 40%.
تتكامل منصة فوكال بسلاسة مع الأنظمة المصرفية الأساسية ومنظومات الدفع، مما يساهم في تبسيط سير العمل، وتقليل الجهد اليدوي، وخفض تكاليف الامتثال. كما تقوم بفحص المعاملات والعملاء ضد أكثر من 1,300 قائمة مراقبة، تشمل قوائم العقوبات، والأشخاص السياسيين ممثلي المخاطر (PEPs)، بالإضافة إلى قوائم الإعلام السلبي.
بفضل زمن الفحص السريع الذي لا يتجاوز ثانية واحدة في المتوسط، تتيح منصة فوكال للبنوك التعرف على المخاطر بسرعة كبيرة. كما توفر المنصة قوائم مخصصة وتنبيهات فورية، مما يمكّن البنوك من اتخاذ إجراءات سريعة وحماية بياناتها المالية بشكل فعّال.